مثاله: أنه إذا كان الواحد مثلا يقال على العرض قول " على " حتى يقال إن البياض واحد، وكان الواحد مما يقال على البياض وعلى موضوعه، فإن الواحد حينئذ لايمتنع أن يقال على الموضوع قول " على " وليس من جهة البياض، لأن الواحد الذى قيل عن البياض هو هو البياض؛ إذ البياض هو ذلك الواحد؛ فاذ البياض فى موضوعه، فذلك الواحد هو فى ذلك الموضوع لامقول عليه، حتى يكون من جهته واحدا، بل هو من جهته ذو واحد لا واحد؛ وإن كان في نفسه واحدا فهو واحد آخر. فالواحد يقال على الموضوع فى نفسه ويوجد فيه من جهة بياضه، إذ ذلك الواحد، الذى هو البياض، ليس هو الواحد الذى هو الموضوع، بل فيه؛ وهذا كالجوهر يقال على الإنسان ويقال على نفسه؛ والجوهر الذى هو نفسه لايقال عليه، بل هو موجود فيه،وإن كان كوجود الجزء لاكوجود العرض. فبين أنه لايمتنع حينئذ أن يكون الشئ موصوفا بصفة، وشئ آخر فيه هو أيضا موصوف بتلك الصفة؛ فتكون الصفة مقولة عليه من جهة، ومقولة فيه من جهة؛ فإن لم يوجد شئ من هذا القبيل فالمانع عن ذلك فقدان هذا القسم لانفس النسبة المذكورة. وأما إذا كان الوصف المقول على العرض خاصا به، لاتشاركه تلك الطبيعة فيه، فإنه يكون موجودا فى الموضوع لاغير. وأما إذا قلبنا النسبة، فجعلنا الطرف الأكبر موجودا " فى " والطرف الأوسط مقولا " على " فالجواب المشهور أنه تارة يحمل حمل " فى " كالبياض فى الققنس والققنس على الققنس ما والبياض فى ققنس ما، وتارة لايحمل؛ كالجنس فى الحيوان، والحيوان على الإنسان؛ والجنس لايحمل على الإنسان.
ويجب أن تتذكر ماقلناه إن الجنس لايحمل على الحيوان الذى هو بعينه مقول على الإنسان؛ فى تكون الواسطة واحدة بعينها؛ وإنما يجب أن تحفظ وحدة الواسطة ؛ وإن الحق هو أن الواسطة، إذا كانت واحدة. فإن الموجود فى الواسطة، إذا كان وجوده فيها كليا، كان هو موجودا فى الطرف الأصغر؛ وإن كان فى بعضها، افترقت فى الواسطة؛ فلم يجب ذلك ههنا ولا فى غيره. وليس يخرج المثال المورد من الجنس من أن يكون من جملة ما الحمل فيه هو على بعض الواسطة. وليس يجب أن يؤخذ الأمران إلا كليين فى هذه الأمثلة؛ فإنك إذا اعتبرت الوجود أو القول فى بعض وفى كل تغيرت المسائل كلها.
واعلم أن الطرف الأكبر إذا كان على الأوسط، والأوسط على الأصغر، ولم يكن القول على شئ منهما على معنى الذاتى فالطرف الأكبر أيضا يكون مقولا على الأصغر، مثل الضحاك على كل إنسان، والماشى على كل ضحاك، فالماشى على كل إنسان؛ وإن كان الطرف الأكبر موجودا في الواسطة والواسطة موجودة فى الأصغر فالجواب المشهور فيه أن هذا ممتنع؛ وذلك لأن العرض لايحمل على العرض؛ فإذا كانت الواسطة عرضا لم يجز أن يكون الطرف الأكبر عرضا فى الواسطة، فيكون عرضا فى عرض وهذا الذى يقولونه شىء لم يجب من حد العرض، ولا قام عليه برهان. أما أنه لا يجب من حد العرض، فلأن العرض: قد قيل إنه الموجود فى شىء بهذه الصفة، ولم يبين أن ذلك الشىء هو جوهر لا محالة أو عرض. وأما البرهام فلم يحاولوا هؤلاء إقامته فى منطقهم، ولا فى سائر علومهم، ولا أيضا هو فى نفسه مما يقوم عليه البرهان؛ فإن الق نقيض هذه الدعوى، ولا أيضا يمكنهم أن يقولوا إن هذا بين بنفسه.
Sayfa 60