واعلم أنه ليس الغرض فيما قيل من ذلك، أن الأربعة ليست أجناسا تحصر أنواع الكيفية كلها، حتى تحتاج أن يؤتى بخامس أو سادس؛ بل معنى هذا الكلام أنه يشبه أن يكون للكيفية نوع، هو قسم لهذه الأنواع التى ذكرها فى الجنس الرابع؛ إذ لم يذكر الجنس بل ذكر أنواع الجنس. وبالحرى أن يكون للكيفية نوع آخر داخل تحت هذا الجنس؛ وذلك لأن خواص هيئات العدد، كالفردية، والزوجية، والتربيع، والتكعيب، والتثليث، وغير ذلك، ليست هى بأعداد، ولا أيضا فصول للأعداد، بل عوارض تعرض لأنواعها لازمة، كما تحقق فى الفلسفة الأولى، وكما هو مشهور؛ وليست من مقولة المضاف، أو أين، أو غير ذلك.
فهى إذن من مقولة الكيفية، ومن هذا الجنس منها، إذ ليست بملكات ولا حالات، بل ولا هى قوة، ولا عجز، بل ولا انفعاليات ولا انفعالات. فهذا هو النوع الذى أعرض عنه بسبب أن توقيف المبتدئ على حقيقته مما يصعب صعوبة شديدة جدا.
وأما المذكرات فهى مشهورة للمبتدئين إذ هى مما يسهل إطلاعهم عليها، وكتاب قاطيغورياس إنما هو للمبتدئين لاغير، وقد حدثتكم بصورته مرارا.
ثم المشكلات التى يجب أن يبحث عنها فى هذا الموضع هى هذه: أحدها تعرف المعنى الجامع لهذا الجنس. والثانى النظر فيما قيل من الرسم المشهور للشكل. والثالث تحقيق الحال فى أن الشكل من الكيف وليس من الوضع. والرابع إبانة حال الزاوية أنها فى أى مقولة تقع. والخامس من حال الخلقة، وأنها كيف هى فى جنس واحد من أنواع الكيف وإنما هى لون وشكل معا. والسادس حال ما يجرى مجراه إذا اتفق أن كان من مقولتين فإلى أى المقولتين منها ينسب الواحد الحاصل من الجملة.
فأما البحث الأول، فيجب أن تعلم، أن هذا الجنس، هو الكيفية التى تعرض للجواهر لعروضها أولا للكمية بما هى كمية؛ ليس كالقوة والضعف: فإنها وإن قارنت الكمية، فليس لأجل أن الكمية بنفسها مستعدة لها استعدادا أوليا، ثم تعرض بتوسطها للجوهر. وأما الشكل، فإنه يعرض للمقدار بما هو مقدار. وهذا الشرح الذى أوردناه لمعنى هذا الجنس الرابع يدخل فيه الشكل، والاستقامة، والانحناء، والتسطيح، والتقبيب، والخلقة، وكيفيات الأعداد.
لكن لقائل أن يقول: إن الخلقة تخالف البواقى لأن البواقى تعرض للكمية عروضا إوليا مطلقا، ويتوسطها تعرض لذوات الكمية، وأما الخلقة فلا تعرض للكمية عروضا أوليا، فإنه ما لم يكن جسم طبيعى يتلون لم تكن خلقة. وهذا كالقوة واللاقوة التى تعرض أيضا للكميات لعروضها لذوات الكميات، كما يزعمون فى العمق.
فنقول ليس الأمر كذلك. فإن الأمور التى تعرض للكمية، منها ما يعرض للكمية فى نفسها لا بشرط أنها كمية شىء، ومنها ما يعرض الكمية فى نفسها بشرط أنها كمية شىء فتكون الكمية هى المعروض له الأولى فى ذلك الشىء. ثم الشىء وإن لم يكن يعرض له ذلك العارض إلا وهو كمية ما هو له كمية، فليس إذا كان لا يعرض له أمر إلا وهو كمية شىء، يجب أن يكون إذا عرض له الأمر لم يعرض له أوليا، بل عرض لذلك الشىء وللكمية بسبب ذلك الشىء. فإنه لا سواء قوله، إن الكمية إنما يعرض لها الأمر عندما يكون فى شىء، وأن نقول إن الكمية إنما يعرض لها الأمر لأنها فى الشىء الذى عرض له الأمر.
Sayfa 124