بالقوة. فلو كنا قلنا: إن الحركة ماهية تكون كمالا لما بالقوة في الأبدان مثلا لكل شيء توجد فيه، ثم وجدت في النفس لا كذلك، لكانت الحقيقة تختلف. وهذا كقول القائل: إن حجر المغناطيس حقيقته أنه حجر يجذب الحديد، فإذا وجد مقارنا لجسمية كف الإنسان ولم يجذبه، ووجد مقارنا لجسمية حديد ما فجذبه، فلم يجب أن يقال: إنه مختلف بالحقيقة في الكف وفي الحديد، بل هو في كل واحد منهما بصفة واحدة وهو: أنه حجر من شأنه أن يجذب الحديد، فإنه إذا كان في الكف أيضا كان بهذه الصورة، وإذا كان عند الحديد أيضا كان بتلك الصفة. فكذلك حال ماهيات الأشياء في العقل، والحركة في العقل أيضا بهذه الصفة، وليس إذا كانت في العقل في موضوع بطل أن تكون في العقل ليست ماهية ما في الأعيان ليست في موضوع. فإن قيل، قد قلتم: إن الجوهر هو ما ماهيته لا تكون في موضوع أصلا، وقد صيرتم ماهية المعلومات في موضوع. فنقول، قد قلنا: إنه لا يكون في موضوع في الأعيان أصلا. فإن قيل: قد جعلتم ماهية الجوهر أنها تارة تكون عرضا وتارة جوهرا، وقد منعتم هذا. فنقول: إنا منعنا أيضا أن تكون ماهية شيء توجد في الأعيان مرة عرضا ومرة جوهرا حتى تكون في الأعيان تحتاج إلى موضوع ما وفيها لا تحتاج إلى موضوع البتة، فلم نمنع أن يكون معقول تلك الماهيات يصير عرضا، أي تكون موجودة في النفس لا كجزء. ولقائل أن يقول: فماهية العقل الفعال والجواهر المفارقة أيضا كذا يكون حالها، حتى يكون المعقول منها عرضا، لكن المعقول منها لا يخالفها لأنها لذاتها معقولة. فنقول: ليس الأمر كذلك، فإن معنى قولنا: إنها لذاتها معقولة هو أنها تعقل ذاتها، وإن لم يعقلها غيرها، وأنها أيضا مجردة عن المادة وعلائقها لذاتها لا بتجريد يحتاج أن يتولاه العقل. وأما إن قلنا: إن هذا المعقول منها يكون من كل وجه هي أو مثلها، أو قلنا: إنه ليس يحتاج في وجود المعقول منها إلا أن توجد ذاتها في النفس، فقد أحلنا. فإن ذاتها مفارقة، ولا تصير نفسها صورة لنفس إنسان، ولو صارت لكانت تلك النفس قد حصلت فيها صورة الكل وعلمت كل شيء بالفعل، ولكانت تصير كذلك لنفس واحدة، وتبقى النفوس الأخرى ليس لها الشيء الذي تعقله، إذ قد استبد بها نفس ما. والذي يقال: إن شيئا واحدا بالعدد يكون صورة لمواد كثيرة لا بأن يؤثر فيها، بل بأن يكون هو بعينه منطبعا في تلك المادة وفي أخرى وأخرى، فهو محال يعلم بأدنى تأمل. وقد أشرنا إلى الحال في ذلك
Sayfa 71