الموضوع، وإما مقتصر على موضوع واحد. وأما انقلاب العين فقد تلزمنا من ذكره عهدة يجب أن نخرج منها. فإن انقلاب العين يعنى به أن يعدم هذا ويوجد ذلك من غير أن يدخل من الأول شيء في الثاني، فإنه إن كان هكذا فيكون الأول قد عدم والآخر قد حصل، ولا يكون الأول هو الذي انتقل إلى الثاني. بل إنما نعني بالانقلاب أن الموصوف بالأول صار موصوفا بالثاني، وذلك أنه يبقى من الأول شيء في الثاني، فيكون مركبا من مادة وشيء فيها. فإن كان هذا صفة اللونية مثلا في مسألتنا فيكون في اللونية شيء يبطل وشيء يبقى، فيكون هذا الذي بطل هو الذي صار به الشيء لونا، بل هو اللونية وهو الصورة المادية أو العرض وكلامنا فيها. ونرجع فنقول: وأما إن كان يجوز له أن يفارق هذه الجواهر ويقوم مثلا بياضا أو شيئا آخر بذاته، فلا يخلو إما أن يكون حينئذ إليه إشارة ويكون البياض الذي من شأنه أن يدرك إلا أن يعجز عن إدراكه للقلة الفاحشة، ويكون على الجملة التي تعرف البياض عليها. فإن كان كذلك فيلزم أن يكون خلاء موجودا حتى يكون فيه مشار إليه وليس في الأجسام، ويلزم أن يكون له وضع ما وتقدير ما، فيكون له في ذاته مقدار يكون إلا القليل منه محسوسا، فإنا لا نتخيل بياضا لا وضع له ولا مقدار، فضلا عن أن نراه. وإذا كان له مقدار ووضع وزيادة هي هيئة البياضية كان جسما أبيض لا مجرد البياض، فإنا نعني بالبياض هذه الهيئة الزائدة على المقدار والحجم، وإن كان لا يبقى على الجملة التي كان يعرف البياض عليها، بل قد انتقل عن هذه الصورة وصار شيئا آخر روحانيا. فيكون البياض مثلا له موضوع يعرض له أن تكون فيه البياضية التي على النحو المعروف، ويعرض لع أن يصير مرة أخرى بصورة أخرى روحانية فيكون أولا ما تعرفه بياضا قد فسد وزالت صورته. وأما المفارق العقلي فقد أشرنا - فيما سلف - إلى أنه لا يجوز أن ينتقل مثل هذا الشيء مرة أخرى ذا وضع ومخالطا للأجسام. وأما إن جاعل البياض شيئا في نفسه ذا مقدار، فيكون له وجودان: وجود أنه بياض، ووجود أنه مقدار. فإن كان مقداره بالعدد غير مقدار الجسم الذي هو فيه بالعدد، فإذا كان في الأجسام وساريا فيها فيكون قد دخل بعد في بعد، وإن كان هو نفس الجسم منحازا فيكون الأمر قد عاد إلى أن الشيء الذي هو البياض جسم وله بياضية. فتكون البياضية موجودة في ذلك الجسم إلا أنها لا تفارق، ولا يكون البياض مجموع ذلك الجسم والكيفية، بل شيء في ذلك الجسم. إذ حد البياض وماهيته ليس ماهية الطويل العريض العميق، بل تكون ماهية الطويل العريض العميق للحرارة أيضا على هذا الرأي، فيكون
Sayfa 69