حدا ومعنى وحقيقة؛ إذ كانت حقيقته ليست مدخولة في حقيقة الآخر، إذ المعية توجب المقارنة لا المداخلة في المعاني. والسبب الثاني، غلطهم في أمر واحد؛ فإنا إذا قلنا إن الإنسانية معنى واحد لم تذهب فيه إلى أنه معنى واحد هو بعينه يوجد في كثيرين فيتكثر بالإضافة كأب واحد يكون لكثيرين، بل هو كالآباء لأبناء متفرقين، وقد استقصينا القول في هذا في مواضع أخر.فهؤلاء لم يعلموا أنا نقول لأشياء كثيرة إن معناها واحد، ونعني بذلك أن أرى واحد منها لو توهمناه سابقا إلى مادة هي بالحالة التي بالأخر، كان يحصل منه هذا الشخص الواحد، وكذلك أي واحد منها سبق إلى الذهن منطبعا فيه كأن يحصل منه هذا المعنى الواحد ، وإن كان قد سبق واحد تعطل الآخر فلم يعمل شيئا كالحرارة التي لو طرأت على مادة فيها رطوبة أثرت معنى آخر أو تعرضت لذهن سبق إليه معنى رطوبة ومعقولها لفعلت معنى آخر، ولو أنهم فهموا معنى الواحد في هذا لكفاهم. ذلك ما أضلهم. والثالث جهلهم بأن قولنا: إن كذا من حيث هو كذا شيء آخر مباين في الحد له، قول متناقض؛ كقول المسئول الغالط إذا سئل هل الإنسان من حيث هو إنسان، إنسان واحد أو كثير؟ فقال: واحد أو كثير؛ فإن الإنسان من حيث هو إنسان، إنسان فقط، وليس هو من حيث هو إنسان، شيئا غير الإنسان. والوحدة والكثرة غير الإنسان، وقد فرغنا أيضا من تفهيم هذا. والرابع، ظنهم أنا إذا قلنا: إن الإنسانية توجد دائما باقية، أن هذا القول هو قولنا إنسانية واحدة أو كثيرة، وإنما يكون هذا لو كان قولنا الإنسانية وإنسانية واحدة أو كثيرة معنى واحدا، وكذلك لا يجب أن يحسبوا أنهم إذا سلموا لأنفسهم أن الإنسانية باقية فقد لزمهم أن الإنسانية الواحدة بعينها باقية حتى يضعوا إنسانية أزلية. والخامس ظنهم أن الأمور المادية إذا كانت معلولة يجب أن تكون عللها أي أمور يمكن أن تفارق؛ فإنه ليس إذا كانت الأمور المادية معلولة وكانت التعليميات مفارقة يجب أن تكون عللها التعليميات لا محالة، بل ربما كانت جواهر أخرى ليست من المقولات التسع؛ ولم يتحققوا كنه التحقيق أن الهندسيات من التعليميات لا تستغني حدودها عن المواد مطلقا، وإن استغنت عن نوع ما من المواد، وهذه أشياء يشبه أن يكفي في تحقيقها أصول سلفت لنا، فلنتجرد للقائلين بالتعليميات.
الفصل الثالث (ج)
Sayfa 162