فصل في الحد.
والذي ينبغي لنا أن نعرفه الآن أن الأشياء كيف تتحدد، وكيف نسبة الحد إليها، وما الفرق بين الماهية للشيء وبين الصورة. فنقول: كما أن الموجود والواحد من الأشياء العامة للمقولات ولكن على سبيل تقديم وتأخير، فكذلك أيضا كون الأشياء ذوات ماهية وحد، فليس ذلك في الأشياء كلها على مرتبة واحدة. فأما الجوهر فإنه مما يتناوله تناولا أوليا بالحقيقة، وأما الأشياء الأخرى فلما كانت ماهيتها متعلقة بالجوهر أو بالصورة الجوهرية على نحو ما حددناه، أما الصورة الطبيعية فقد عرفت حالها، والمقادير والأشكال قد عرفتها أيضا، فيكون تلك الأشياء الأخرى أيضا من وجه لا تحدد إلا بالجوهر فيعرض من ذلك أن تكون.أما الأعراض فإن في حدودها زيادة على ذواتها، لأن ذواتها وإن كانت أشياء لا يدخل الجوهر فيها على أنه جزء لها بوجه من الوجوه، وذلك لأن ما جزؤه جوهر فهو جوهر، فإن حدودها يدخل الجوهر فيها على أنه جزء إذ كانت تتحدد بالجوهر لا محالة. وأما المركبات فإنها يعرض فيها تكرار شيء واحد بعينه مرتين، فإنه إذ فيها جوهر فلا بد من إدخاله في الحد، وإذ فيها عرض يتحدد بالجوهر فلا بد من دخوله في حد العرض مرة أخرى لتكون جملة الحد مؤلفة من حد الجوهر وحد العرض لا محالة وعائد إلى اثنينية وكثرة. ويتبين إذا حلل حد ذلك العرض ورد إلى متضمناته، فيكون حد هذا المركب قد وجد فيه الجوهر مرتين، وهو في ذات المركب مرة واحدة، فيكون في هذا الحد زيادة على معنى المحدود في نفسه. والحدود والحقيقة لا يجب أن تكون فيها زيادات. ومثال هذا أنك إذا حددت الأنف الأفطس فيجب أن تأخذ فيه الأنف لا محالة، وتأخذ فيه الأفطس فتكون أخذت فيه حد الأفطس، لكن الأفطس هو أنف عميق، ولا يجوز أن تأخذ عميقا وحده، فإنه لو كان العميق وحده هو الأفطس لكانت الساق المعمقة أيضا فطساء، بل يجب لا محالة أن تأخذ الأنف في حد الأفطس. فإذا حددت الأنف الأفطس تكون قد أخذت فيه الأنف مرتين، فلا يخلو إما أن لا تكون أمثال هذه حدودا وإنما تكون الحدود للبسائط فقط، أو تكون هذه حدودا على جهة أخرى. وليس ينبغي أن نقتصر من الحد على أن يكون شرح الاسم، فتجعل أمثال هذه لذلك حدودا حقيقية، لأن الحد هو ما يدل على الماهية، وقد عرفته. لو كان كل قول يمكن أن يفرض بإزائه اسم حدا لكان جميع كتب الجاحظ حدودا. فإذا كان الأمر على هذا، فبين أن هذه المركبات حدودها حدود على جهة أخرى. وكل بسيط فإن ماهيته ذاته لأنه ليس هناك شيء قابل لماهيته، ولو كان هناك شيء قابل لماهيته، لم يكن ذلك الشيء ماهيته
Sayfa 122