الفصل الثالث (ج) فصل في الفصل بين الجنس والمادة.
والذي يلزمنا الآن هو أن نعرف طبيعة الجنس والنوع. فأما أن الجنس على كم شيء يدل فقد كان يدل في زمان اليونانيين على معان كثيرة، وقد ذهب استعمالها في زماننا. فالجنس في صناعتنا لا يدل إلا على المعنى المنطقي المعلوم، وعلى الموضوع، وربما استعملنا لفظ الجنس مكان النوع فقلنا: ليس كذا من جنس كذا أي من نوعه أو من جملة ما يشاركه في حده. والنوع أيضا ليس يدل عندنا الآن في زماننا وعادتنا في الكتب العلمية إلا على النوع المنطقي، وعلى صور الأشياء. وغرضنا الآن فيما يستعمله المنطقيون من ذلك فنقول: إن المعنى الذي يدل عليه بلفظة الجنس ليس يكون جنسا إلا على نحو من التصور، إذا تغير عنه ولو بأدنى اعتبار لم يكن جنسا، وكذلك كل واحد من الكليات المشهورة. ولنجعل بياننا في الجنس وفي مثال إشكاله على المتوسطين في النظر فنقول: إن الجسم قد يقال له إنه جنس الإنسان وقد يقال له إنه مادة الإنسان، فإن كان مادة الإنسان كان لا محالة جزء من وجوده واستحال أن يحمل ذلك الجزء على الكل. فلننظر كيف يكون الفرق بين الجسم وقد اعتبر مادة، وبينه وقد اعتبر جنسا، فهنالك يصير لنا سبيل إلى معرفة ما نريد بيانه. فإذا أخذنا الجسم جوهرا ذا طول وعرض وعمق من جهة ما له هذا، وبشرط انه ليس داخلا فيه معنى غير هذا، وبحيث لو انضم إليه معنى غير هذا، مثل حس أو تغذ أو غير ذلك، كان معنى خارجا عن الجسمية، محمولا في الجسمية، مضافا إليها. فالجسم مادة وإن أخذنا الجسم جوهرا ذا طول وعرض وعمق بشرط ألا يتعرض بشرط آخر البتة ولا يوجب أن تكون جسميته لجوهرية متصورة بهذه الأقطار فقط، بل جوهرية كيف كانت ولو مع ألف معنى مقوم لخاصية تلك الجوهرية وصوره، ولكن معها أو فيها الأقطار. فللجملة أقطار ثلاثة على ما هي للجسم، وبالجملة أي مجتمعات تكون بعد أن تكون جملتها جوهرا ذا أقطار ثلاثة، وتكون تلك المجتمعات - إن كانت هناك مجتمعات - داخلة في هوية ذلك الجوهر، لا أن تكون تلك الجوهرية تمت بالأقطار ثم لحقت تلك المعاني خارجة عن الشيء الذي قد تم، كان هذا المأخوذ هو الجسم الذي هو الجنس. فالجسم بالمعنى الأول إذ هو جزء من الجوهر المركب من الجسم والصورة التي بعد الجسمية بمعنى
Sayfa 106