Şiir ve Düşünce: Edebiyat ve Felsefe Üzerine Çalışmalar

Abdülgaffar Mekkavi d. 1434 AH
92

Şiir ve Düşünce: Edebiyat ve Felsefe Üzerine Çalışmalar

شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة

Türler

والغموض من أهم الخصائص التي تميز الشعر الحديث. فهو يلقي على اللغة مهمة عسيرة وغريبة معا، ألا وهي أن تفصح عن المعنى وتخفيه في آن واحد. إنه يعزل القصيدة عن وظيفة اللغة الأساسية في النقل وتوصيل المعاني، ليعلقها فيما يشبه الفراغ، فتبتعد عن القارئ كلما حاول الاقتراب منها. وقد يبدو في بعض الأحيان كأن الشعر الحديث ليس إلا محاولة لتسجيل إحساسات مبهمة، وتجارب مضطربة يحتفظ بها الشاعر لمستقبل قريب أو بعيد، يتمكن فيه من التعبير عن إحساسات أوضح وتجارب أنجح. ولهذا يدور ويدور حول إمكانات لم تثبت أو تتحقق بعد.

ولكن من أين يأتي هذا الغموض؟

قد يأتي من المضمون أو الأسلوب الذي يلجأ إليه الشاعر. فالقصيدة تتكلم عن أحداث أو كائنات لا يعرف القارئ شيئا عن مكانها أو زمانها أو أسبابها، ولا يخبره الشاعر بشيء عنها، وعباراتها لا تتم ولا تكمل، بل تنقطع فجأة لسبب لا يدريه، كأنما حاولت أن تقطع الصمت المطبق فلم تفلح. وقد لا يتألف المضمون إلا من مواقف لغوية، تختلف بين الخشونة والنعومة والسرعة، بحيث لا تكون الموضوعات والعواطف التي تتحدث عنها سوى مادة لا معنى لها. ومن أبرز وسائل الأسلوب التي تسبب الغموض تغيير وظيفة الحروف والصفات والظروف وصيغ الأفعال، وترتيب الجملة العادية ترتيبا غير مألوف، والميل إلى ما يمكن تسميته بالجمل المفتوحة، كأن تتألف الجملة من أسماء لا يرتبط بها فعل، أو نجد جملة رئيسية بلا جملة جانبية أو العكس، أو جملة شرطية بلا جواب شرط، أو بإسقاط أدوات التعريف عن الأسماء واستخدامها بطريقة تزيد من الغموض بدلا من أن تعمل على التحديد والتعريف. أضف إلى هذا أننا قد نجد قصائد بلا عنوان، أو بعناوين لا توافق موضوعها، فتزيد بذلك من تعدد المعاني المختلفة التي توحي بها. وقد يكون السبب في التخلي عن العنوان هو رغبة الشاعر أن يخلي مضمونه من أية صلة تربطه بالواقع والمألوف. ويذكرنا هذا ببيكاسو الذي اشتهر عنه أنه لا يضع عناوين للوحاته، بل يتولى ذلك عنه تجار اللوحات ومنظمو المعارض الفنية.

ويطول بنا الأمر لو أردنا أن نتتبع أقوال الشعراء التي يطالبون فيها بالغموض أو يحاولون تبريره. فالشاعر «ييتس» يتمنى أن يكون للقصيدة من المعاني بقدر عدد قرائها. وإليوت يقول إن القصيدة شيء مستقل يقف بين المؤلف والقارئ، كما أن العلاقة بين المؤلف والقصيدة تختلف عن العلاقة بينها وبين القارئ. فالقصيدة التي يكتبها الشاعر تخرج من يده إلى الأبد. وقد يستشف القارئ فيها معاني لم تخطر على بال المؤلف، أي إن من حق القارئ أن «يؤلفها» من جديد. والشاعر البرتغالي بيدرو ساليناس يقول في هذا المعنى: «إن الشعر يرتبط بشكل عال من التفسير يكمن في سوء الفهم. فالقصيدة تنتهي بعد كتابتها، ولكنها لا تتوقف، بل تبحث عن قصيدة أخرى في نفسها أو في المؤلف أو القارئ أو في الصمت.» أي إن القوى الكامنة في القصيدة أو في اللغة التي كتبت بها لا تنتهي بمجرد الفراغ من تأليفها، بل تطلق قوى جديدة في نفس الشاعر والمتلقي.

وقد «يوضح» ما نريده بهذا الغموض في الشعر الحديث أن نضرب له مثلا بإحدى قصائد الشاعر الإسباني «جين » وعنوانها «أغمض عيني»، ويمكن أن نجد فيها تصويرا لخفايا هذا الغموض أو نوعا من التبرير له:

أغمض عيني، والسواد يطلق شرارات

هي القدر السعيد.

الليل يفض أختامه ويجلب من الهاوية

ضوءا يرتفع فوق الموت،

أغمض عيني، فيقوم عالم عظيم يعشيني،

Bilinmeyen sayfa