Şiir ve Düşünce: Edebiyat ve Felsefe Üzerine Çalışmalar

Abdülgaffar Mekkavi d. 1434 AH
82

Şiir ve Düşünce: Edebiyat ve Felsefe Üzerine Çalışmalar

شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة

Türler

مات أبوه وهو طفل صغير، وتردد على مدارس الأديرة قبل أن يدخل المعهد الديني في مدينة «توبنجن» تحقيقا لرغبة أمه الطيبة المسكينة. واحتمل مرارة الحياة الخشنة الصارمة بين جدران هذه الزنزانة اللاهوتية التي تعرف فيها على صديقي صباه وفيلسوفي المثالية الألمانية الكبيرين هيجل وشيلنج. ولم تلبث الصداقة والمحبة أن جمعت بين الثلاثة، كما جمع بينهم الطموح إلى عالم مثالي تتحقق فيه الحرية، ويتم الخلاص من الظلم والركود والاستبداد الجاثم على صدر شعبهم. واشترك الأصدقاء في قراءة أفلاطون وروسو وكانط وشيلر واسبينوزا الذي عبرت الكلمة اليونانية القديمة «الواحد والكل» عن مذهبه في وحدة الوجود، وأثرت بعد ذلك على حياة هلدرلين، وظلت هي شعاره الناطق بحضور الإله في كل ما يتجلى لعينيه. وكان من الطبيعي أن يتأثر الشاعر مع شباب جيله بالثورة الفرنسية التي تأججت نيرانها فجأة، فبدت كأنها فجر الخلاص والأمل في الحرية والتقدم والكرامة، وأن يتأثر كذلك بحركة بعث الروح الإغريقية ومحاكاة روائعها محاكاة خلاقة. لقد كان مؤرخ الفن القديم «فنكلمان» هو باعث هذه الروح التي تمثلت فيها «البساطة» النبيلة والعظمة الساكنة. ثم ازدهر الأدب والفلسفة الألمانية على يد «ليسنج» و«هيردر» و«كانط» و«جوته» و«شيلر»، فأمدتها بدماء جديدة، وأكدت مثلها الأعلى الذي تراءى لعيون هذا الجيل، وهو الإنسان الحر الجميل، المتحد بالطبيعة والآلهة والأبطال الأسطوريين في وحدة حية متجانسة لم تجرب التمزق والتصدع الذي كانوا يعانونه. وقد كان هلدرلين أكثر أبناء جيله انفعالا بهذا العالم المقدس الرائع، وكان أشدهم حنينا إليه في كل أناشيده وأغانيه ... تغلغلت هذه الرؤية الدينية والكونية في أعماقه يوما بعد يوم، وراح يغوص في متاهتها، ويستغرق في أسرارها مع كل تجربة جديدة تؤكد عجزه، وإخفاقه في الحب والحياة. ومع كل يوم يزداد بعدا عن الوعي وعن الناس، ومع كل عذاب تزداد لغته كثافة وغموضا، وتصبح كلمته الشعرية كإشارات الوحي المثقلة بالرهبة والجلال والجمال، وتشتد قسوة قدره المعذب الوحيد، فينحني له راضيا مطمئنا، وتستجيب له نفسه الوديعة في خشوع وانكسار: «أيتها الروح! أيتها الروح! أنت يا جمال العالم! يا من لا تتحطمين! أيتها الساحرة الفاتنة بشبابك الأبدي! أنت حية باقية، وما الموت وكل عذاب البشر إذا قورن بك؟ آه ! كثيرة هي الكلمات الجوفاء التي صنعها هؤلاء المدهشون. ومع ذلك فكل شيء يصدر عن الفرح، وينتهي إلى السلام. وما مظاهر الشذوذ في العالم إلا كالخلاف بين الأحباب. إن الصلح قائم في قلب التنازع والشقاق، وكل ما تفرق سيلتقي من جديد. والشرايين تتشعب، ثم تعود فتصب في القلب، وتظل الحياة الواحدة الخالدة المتوهجة هي الكل.»

تخرج هلدرلين في المعهد الديني سنة 1793م، وقرر أن ينفض عنه أغلال اللاهوت والوظائف الكنسية ليتفرغ لموهبته الشعرية. واضطره ذلك أن يعيش عشر سنوات مليئة بالحرمان والسعي الخائب من بيت لبيت في سبيل لقمة العيش. كانت مهنة التعليم وإعطاء الدروس الخصوصية لأبناء الأسر الثرية هي الباب الوحيد الذي يمكن أن يطرقه المثقفون والأدباء الذين بخل عليهم الحظ، فلم يرعهم ملك ولا أمير. وكان عليهم في كثير من الأحيان أن يتحملوا المهانة والهوان، ويعاملوا معاملة الخدم والأتباع. وتوسط له الشاعر «شيلر » للعمل في أحد هذه البيوت المرموقة التي كانت على صلة بالحياة الأدبية، ولكنه أخفق في مهمته التربوية، وتأكد له إخفاقه في الحياة العملية عندما حاول بعد ذلك أن يستقر في مدينة «يينا» - كعبة المثالية في ذلك الحين - ويعمل بتدريس الفلسفة في جامعتها. وتبين له عجزه عندما سعى للاتصال بفشته - رائد المثالية وباعث القومية - والتقرب من «جوته» أمير الشعر وعملاق الأدب، فتجاهله الفيلسوف، وأعرض عنه الشاعر، ولم يستطع أن يقدر موهبته التي اتهمها بالغموض والاضطراب. ولم يبق له غير مواطنه شيلر الذي كان مثله الإنساني والشعري الأعلى. وقد أشفق عليه الشاعر في البداية ورعاه، ونشر له الصيغة الأولى من روايته «هيبريون» في مجلة «ثاليا» التي كان يصدرها، ولكنه لم يلبث أن ضاق به وانصرف عنه. وكانت هذه التجربة من أمر التجارب التي ذاقها في حياته. وعاد يجرب حظ المعلم الخصوصي البائس، فالتحق سنة 1796م ببيت رجل من رجال المال والأعمال والبنوك يدعى جونتار في مدينة فرانكفورت. هنالك لقي من المهانة ما لا تحتمل نفسه الحية الوديعة، وصبر ثلاث سنوات على النزيف المستمر من جرح الكبرياء، ولكن القدر عوضه عن ذلك بالنعمة الوحيدة التي عرفها في حياته الوحيدة. أحب ربة البيت «سوزيته جونتار»، وبادلته السيدة الرقيقة حبه اليائس، ومدت يدها الحنون إلى روحه الغريقة في ظلمات الاكتئاب. وجد فيها مثال الإنسانية الجميلة الطاهرة التي قربته من الروح الإلهي الخالد، بل جعلته يشعر بأنه تجسد حيا فيها. إن الروح الإلهي لا يؤمن به إلا من كان هو نفسه إلهيا.

وهو لا يتمثل له فحسب في الطبيعة الحية، والسماء والأثير، والأرض والنهر، بل يحيا كذلك في «ديوتيما» التي يعيش الآن بقربها ويعبدها ويقدسها. كانت «سوزيته» هي مثال الجمال والانسجام والحكمة الذي طالما داعب أحلامه ورؤاه، وكانت هي الروح الإغريقية نفسها التي اشتاق إليها، وانتظر ميلادها وتعزى بها عن محنة وجوده وسط الظلم والتجاهل والفساد والطغيان، ولكنه اضطر أن يغادر البيت الذي تحققت فيه الرؤيا، غادره مهانا مدحورا، وافترق عن المحبوبة التي لم تجد حيلة في الفراق، فحبست حبها في صدر عشش فيه السل، وافترس حياتها بعد ذلك بسنوات قليلة. ها هو ذا يناجيها بعد رحيله عنها في قصيدة عنوانها «ديوتيما»:

تسكتين وتصبرين، وهم لا يفهمونك،

يا أيتها الحياة الغالية

تذبلين في صمت؛ لأنك واحسرتاه

تبحثين عبثا بين البرابرة

عن أهلك في نور الشمس،

عن تلك الأرواح النبيلة الحنون،

التي ما عاد لها وجود.

Bilinmeyen sayfa