228

Şiir ve Düşünce: Edebiyat ve Felsefe Üzerine Çalışmalar

شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة

Türler

غير أنني أستطيع كذلك أن أتناول الماهية، وأجعل منها موضوعا للبحث؛ لكي أواصل شرحها وتفسيرها. بهذا يتخذ ما كان في الأصل تحديدا طابع المهاد. وبهذا أيضا «أمهد» (من المهاد)، أو أسمي تحديدا ما .

ويصف هسرل أنواع المهاد، التي لم تنتج عن تحديد لطبيعتها كمهاد، بأنها مطلقة. والمهاد المطلق هو ذلك الذي يمكن إدراكه بكل بساطة وبطريقة مباشرة. في إمكاني كذلك أن أدرك إدراكا مباشرا عدة أجسام معطاة ببساطة للإدراك، وموضوعة على سبيل المثال في سياق مكاني-زماني. بهذا يصبح هذا السياق الأخير بدوره مهادا مطلقا.

ونحن نعني بالتحديدات المطلقة تلك التحديدات التي لا يمكن أن تصبح «مهادات» إلا عن طريق تسميتها ، وجعلها مهادات. ويبين هسرل بتفرقته بين المهاد والتحديد أننا نقوم بالضرورة بتفسير الأفق الذي يقدم فيه الشيء المعطى. (8)

إن المهادات التي نصفها بأنها مطلقة يمكن في الحقيقة أن تكون موضوع تجربة مباشرة، وذلك في مرحلة أولى، ولكنها توجد في علاقات تضايف أو إحالة متبادلة. وهذا يبين مرة أخرى أنها توجد داخل أفق شامل، وهذا الأفق هو العالم. وبسبب هذا النظام من العلاقات والإحالات المتبادلة، وبسبب وجودها داخل «أفق أشمل»، لا تكون المهادات المطلقة مستقلة. إنها تجد نفسها، كما يقول هسرل، في مهاد أشمل، أي في مهاد العالم.

في إمكاننا أيضا أن نتجه مباشرة إلى العالم كما نتجه إلى كل أو موضوع واحد للتجربة، ولكن علينا في هذه الحالة أن نعرف بوضوح أننا لا نجربه ولا نحياه بوصفه مهادا، وأننا لا نعاينه عيانا بسيطا. وهنا ينبغي أن نعبر بوضوح عما لم يوضحه هسرل. فنحن حين ننتقل من مهاد مطلق جربناه تجربة بسيطة مباشرة، إلى مهاد مطلق ومستقل، أي إلى العالم، فإن المهاد في هذه الحالة يغير وظيفته. إنه يتحول مما «أقول بصدده شيئا» إلى ما هو «داخل». وعندما نجعل هذا «الداخل» موضوعا للبحث، يصبح بدوره «ما يقال بصدده شيء»، ولكنه سيختلف كذلك عن المهاد المعتاد.

مهما يكن من شيء، فإن العالم سيبدو عندئذ في صورة المهاد المطلق المستقل. وبهذا يصبح هو المطلق الخالص البسيط. إن جميع المهادات المطلقة توجد «في» شيء ما، وهي تحدد بأنها كل ما يوجد «في» شيء ما. غير أن العالم نفسه لا يوجد في شيء ما. إنه هو الشيء الكلي. وإذن فالعالم وحده هو المهاد المطلق، مأخوذا بمعنى الاستقلال المطلق. (9)

لعل من أهم الاكتشافات التي توصلنا إليها حتى الآن اكتشاف الفارق بين التجربة المباشرة والبحث (المقصود الواعي). فنحن حين نعيش في العالم ببساطة لا نعيش فيه كما لو كنا نريد أن نجعله موضوعا للبحث، أو كما لو كان مبحثا نهتم بالنظر فيه. وحتى لو وجهنا اهتمامنا نحو الجزئيات، سواء أكانت أشياء واقعية، أم أمورا شخصية، فإننا لا نبحث في بيئة هذه الأشياء ولا في آفاقها التي تعطى لنا من خلالها.

وينبغي علينا، فيما يتعلق بمسألة البحث، أن نلتفت إلى أمر مهم يتصل بمنهج الكشف الظاهراتي. ولا بد لنا - إن جاز هذا القول - أن نكتبه على الحائط حتى لا ننساه؛ لأن النسيان يغلب على كل من يميل بطبعه إلى التفكير والتنظير.

إن ما أجده عندما أغير موقفي وأتجه إلى البحث، لا يبقى على ما كان عليه في الأصل، أي على ما كنت أجربه تجربة مباشرة، وأحياه حياة مباشرة. إنه الشيء نفسه، وهو في الوقت عينه شيء آخر مختلف. ومنهج الكشف الظاهراتي بأكمله لا يسمح لنا إلا بالإحالة إلى الحياة التي نعيشها بطريقة عينية، وإلى التجربة العينية الملموسة التي تبقى - بما هي كذلك - في نهاية المطاف غير قابلة للتعبير عنها من جهة ما تمثله من حياة وتجربة مباشرة. إن العبارات التي تقال عنها لا تكون ممكنة إلا على صورة إحالات عكسية. (10)

لقد انطلقنا من المشكلة الأساسية في فلسفة الظاهرات، ألا وهي مشكلة المعطى في علاقته المتوترة مع المعنى المعطى معه، أي من المعطى وتفسيره. ثم وصلنا في النهاية إلى «الداخل» النهائي المطلق والمستقل أو المكتفي، ونعني به العالم. ولسنا بحاجة إلى الإشادة بما أسداه هسرل إلى الفلسفة بمنهجه الجديد، وبكشفه للعالم وللحياة التي تجرب العالم. ولنكتف في هذا المقام بذكر عبارة واحدة قالها الأستاذ ج. جرانيل: «إن هسرل هو ببساطة أعظم فيلسوف ظهر منذ الإغريق» (إدموند هسرل، في الموسوعة العالمية، المجلد الثامن، باريس، 1971م، ص613).

Bilinmeyen sayfa