أما العلم - في القرية - فمنتشر جدا، وهم قديمو العهد به، فحد كل معبد مدرسة صغيرة تعلم القراءة والكتابة حتى يندر أن ترى أميين في القرية اللبنانية، وقد أضيف إليها حديثا مدارس حكومية، وديورة كثيرة استحالت مدارس عالية نشرت الثقافة منذ مئات السنين.
ليالي القرية ومواسمها
أشرنا إلى تعب القروي وكده في نهاره، ولا بد لنا من الإشارة إلى لياليه التي يحييها ليرفه عن نفسه. وهي تكون دائما صارخة حافلة بالأغاني؛ لأن كل ما في هذا الجبل يغني، العامل يشتغل ويغني، والحارث يغني خلف فدانه، والمكاري يغني وراء بغله وحماره، والراعي يغني ويترنم وينفخ في مزماره وشبابته، فيفرح قطيعه وسامعيه. ولا عرس ولا عيد ولا مولد بدون غناء وشعر، حتى يصح أن نسمي لبنان: جبل الزجل، فقلما عجز عن قول الشعر العامي أحد. وهذا الشعر يتناول جميع أغراض الشعر من غزل، ومدح، ورثاء، وحكمة، وحماسة، ومسرحيات، وملاحم، وفكاهة، وهجاء، ولعلهم يمتازون بالارتجال كما سيأتيك الخبر. •••
ليس للقرية مسارح ومقاه، فمسرح القرية ومقهاها بيت وجيه الضيعة، ولذلك قال مثلها: «الذي يعمل جمالا يعلي باب بيته»، ففي ليالي الشتاء السوداء، يلتفون حلقات حول نيران موقده، ويشربون القهوة ويأكلون النقل البلدي، من تين مجفف، وجوز، ولوز، وزبيب، وغير ذلك من الفواكه المحفوظة، ويغنيهم صاحب الصوت الرخيم منهم العتابا والميجانا والمواليا وغيرها، وقد تشارك المرأة في هذه الأغاني رجال الضيعة وشبابها، كما تشاركهم في تلك الأهازيج المحلية اللون.
ويطيب للقرويين أن يسمعوا أغاني الفروسية وأقاصيصها، فيصرفون قسما من السهرة في سماع إنشاد قصة «الزير أبو ليلى المهلهل»، فتعجبهم أخباره وحوادث فروسيته، ويطربون لأفعاله العجيبة، وعندما يترنم المنشد هاتفا بقوله:
وأول قولنا: نستغفر الله
إله العرش لا رب سواه
تطرب النفوس وتخشع لذكر الله حتى في مجال الهزل.
وتمشي القصة حتى تبلغ قتل الزير للسبع:
فرد السبع نحوي يا ابن خيي
Bilinmeyen sayfa