أما وقد شبعنا من هؤلاء، فلنعد إلى الهمزة؛ إن عداوتها حملت اللبناني على استعمال الصيغة السريانية فقال: بلاع وزراع في ابلع وازرع، وهما سريانيتان، وقاسوا عليهما الأفعال العربية فقالوا: دفاع وقطاع، في ادفع واقطع. ويقولون: منعطوف عليه، وهو مضارع سرياني بلفظه ومعناه. ومن نوع هذا الضم المشبع قولهم: ضروب، في اضرب، وكذلك يلفظون: ناطور بضم النون؛ لأن أصلها السرياني ناطورو. وتقابل عداوتهم للهمزة صداقتهم للنون فيقولون: مرين في مريم، وانتلا بدلا من امتلا، وعلى قاعدة العرب يلفظون النون ميما إذا تقدمت الباء الساكنة فيقولون: شو هو ذمبي؛ أي ذنبي، وإذا تحركت هذه النون لا تلفظ ميما.
إن هدف العامة هو الخفة، فألين الحروف أحبها إليهم. وقد أدرك العرب ذلك فجعلوا النون الناعمة لجمع الجنس اللطيف، أما احتجاج سيداتنا وطلبهن، أن يخاطبن بالميم، ففي غير محله، فليدعن الميم لأصحابها وحسبهن النون.
وقد أدت عداوة العوام للهمزة إلى استعمال الباء بدلا منها فقالوا: بدرس، بنام، بلعب. أما قولهم: عمبنام فهي اختزال عمال بنام. ويقولون: منضرب عند التقاء الباء والنون. وهم يستعملون الميم أحيانا بدلا من «ال» فيقولون مبارح، ومبارحا في البارح والبارحة. وبعضهم يقول: منيح في مليح. وفي بعض نواحي لبنان يفكون إدغام منا فيقولون: مننا.
وكما يختلف معنى اللفظة الواحدة عند قبيلتين عربيتين كذلك حصل عندنا، فمعنى عيط في فلسطين بكى وانتحب، أما عندنا فمعناها صاح وعربد. وكذلك بسط فإن معناها في العراق يختلف عن معناها عندنا.
والهاء عدوة العوام الثانية فيقولون: عطيتو بدلا من أعطيته. وكذلك الميم في مواضع، فيقولون: أنتو بدلا من أنتم. وقد يقلبون الهمزة ياء ليخزوا عجرفتها وتصدرها الأبجدية فيقولون نكاية لها: خد هدا يما هدا. ويقولون: لمن بتجي، حبا بنونهم الموروثة. وحبا بالضم الموروث أيضا يقولون: هون وهونيك في هنا وهناك. ويقولون: لهو فلان؛ أي لهجة فلان، وأظنهم اشتقوها من اللهاة هربا من ضخامة الجيم. ولفظ الثاء تاء كثير عند عامتنا، يقول لك المعاز: عندي تنيه، وتنيان ويوم التنين، في ثنية وثنيان والإثنين. ويلفظون الظاء ضادا، فيقولون: ضل على رأيك؛ أي ظل، ولكن هذا لا يطرد كما يطرد في الذال والثاء. ويفضلون مرق على مر فيقولون: دوبو مرق؛ أي دأبه مر. والبعض يقولون: مهنتس بدلا من مهندس. وهم يحذفون ما يستثقلون، فيقولون: زيرة بدلا من جزيرة. وللخفة، يلفظون التاء المربوطة ألفا، فيقولون: صورا، وغندورا. وأحيانا يثقلون فيقولون: ماضام ومضالية، في مدام ومدالية، ويقلبون هذه التاء ياء، فيقولون: شوكي أي شوكة، وحينا يقلبونها ألفا، فيقولون: من أيا جها جيت.
وهناك قلب آخر في مثل قولهم: «جوز، ريلا، إجر» في زوج وليره ورجل. وقد يزيدون حرفا للتكبير فيقولون: رجال، ويصغرون فيقولون: يا خيي ويا خيتي، في يا أخي ويا أخيتيي، ومن تحريفهم قولهم: ضم أو تم أو ضل عندنا؛ أي ابق. ومن اختزالهم للاستفهام عن الثمن قولهم: بقديش؟ أي بقدر أي شيء، ومثلها لاش وماش وبلاش، أي ما شيء ولا شيء وبلا شيء.
وأغرب ما سمعت هذا التحريف: سمس، ظرص زوز؛ أي شمس وجرس وزوج. كما يقولون: يا ريتو بدلا من يا ليته، ويحرفون كلمة فم فتصير تم، ويقولون: سد تمك أو بوزك، وبوز سريانية مستعربة. وكذلك يقولون: مهبول ومبهول وبهله. ومن تليينهم قولهم: بدي يحكي؛ أي بدأ يحكي. ومن إدغامهم ولزهم وصرهم ما يفعلونه باسم الموصول فيقولون: إلي ضرب، ثم تصير ال فيقولون: مين إلضرب، وهذه المين والمان سريانية. وهم يكتفون أحيانا بالهاء فقط عن هذا فيقولون: بتروح تقول لفلان يجي لعندي، ويتركون الباء فتصبح الجملة دعائية كقولنا: الله يحفظك، وتذكر الباء فتصير خبرية كقولنا: الله بيحفظك.
ويستعمل عوامنا كالعرب كلمات لا معنى لها فيقولون: كان بان، أو كان مان، وخبز مبز، كما قال العرب: حسن بسن، وحياك الله وبياك.
وهناك من ينقل حركة الحرف الموقوف عليه إلى ما قبله فيقول: كنت عند بكر، وتختلف حركات بعض الكلمات باختلاف الأقاليم والقرى، فمنهم من يفتح، ومنهم من يكسر، ومنهم من يضم، فيقول بعض البيروتيين: فهمت علاي، ويقول غيرهم: فهمت علي.
وقد دخل مؤخرا بعض ألفاظ فرنسية وإنكليزية لا داعي إلى ذكرها كما دخل قديما ألفاظ مثل كندره، وبوط، وسكربينه، أما مشايه فاشتقوها من المشي. ومن شاء أن يتعرف جيدا إلى اللهجة اللبنانية، فليقرأ جرائد الزجل التي تكتب باللهجة اللبنانية الأصيلة مثل مرقد العنزة، وليصغ كل يوم إلى ما يذاع من المحطات المختلفة.
Bilinmeyen sayfa