Sheikh Abdul Hay Yusuf's Lessons
دروس الشيخ عبد الحي يوسف
Türler
الدعوة إلى الله بالأقوال والأفعال
ومن الدروس المستفادة من هذه الرحلة: أن العبد الصالح يدعو إلى الله ﷿ بأقواله وفعاله وسمته وهيئته، وهذا الأمر نستدل عليه من مرور النبي ﷺ بخيمة أم معبد الخزاعية، وهي امرأة برزة جلدة، تحتبي بفناء الخيمة، وتطعم وتسقي من يمر بها، فإذا مر بها قوم مسافرون فإنها تطعمهم وتسقيهم، وهي امرأة معروفة بالكرم، فمر بها رسول الله ﷺ ومعه صاحباه أبو بكر الصديق ﵁ وعبد الله بن أريقط فسلم عليها ﷺ، ثم سألها: (هل من لبن فنشربه؟ أو لحم فنشتريه؟ فقالت له المرأة: فداك أبي وأمي، لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى، والشاة عازب، ولا حلوبة في البيت)، تقول له: لو كان عندنا طعام أو شراب ما نحوجكم إلى أن تطلبوا، وإنما نكرمكم ابتداءً، لكن لا حلوبة في البيت، أي: ليس في البيت شاة تحلب، ثم إن الشاة التي تحلب هي في المرعى عازب، أي: بعيدة، (فنظر رسول الله ﷺ إلى شاة في ستر الخيمة -أي: في جانب الخيمة- فقال لها: ما هذه الشاة؟ قالت له: خلفها الجهد عن الغنم -يعني: هي مريضة- فقال لها: هل بها من حلب؟ -أي: هل فيها شيء يحلب؟ - قالت له: هي أجهد من ذلك، فقال: أتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت: فداك أبي وأمي! إن كان بها حلب فاحلب -يعني: طالما أنك لا تريد أن تصدق فجرب-، فدعا ﷺ بإناء يربض الرهط -يعني: إناء كبير- فسمَّى النبي ﷺ الله ﷿، ومسح على الضرع فتفاجت -أي: هذه الشاة فرجت بين رجليها-، فحلب فيها رسول الله ﷺ فجًا حتى علته الرغوة، ثم دفع الإناء إلى المرأة -إلى أم معبد أولًا- فشربت ثم سقى صاحبيه، ثم سمى الله ﷿ وشرب آخر القوم ﵊، ثم حلب فيه ثانية، فشربوا عللًا بعد نهل، ثم حلب فيه ﷺ وخمره وقال: ارفعي هذا لـ أبي معبد، ثم سلم وانصرف، قال: فما لبثت إلا قليلًا، حتى أقبل أبو معبد يسوق أعنزًا عجافًا يتساوقن هزالًا لا نقي فيهن، فقال: ما هذا اللبن -يا أم معبد - والشاة عازب، ولا حلوبة في البيت؟! قالت: لا والله! إلا أنه مر بنا رجل مبارك)، مع أن الرسول ﷺ ما تلا عليها قرآنًا، ولا ألقى عليها خطبة، وإنما وصفته بالبركة بما رأت من حاله وكلامه وسمته وهيئته وفعاله صلوات ربي وسلامه عليه، فوصفته بأنه رجل مبارك، وكان من خبره كيت وكيت، فقال أبو معبد: صفيه لي يا أم معبد! فقالت: رأيت رجلًا ظاهر الوضاءة، حسن الخلق، أبلج الوجه، في عينه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي عنقه سطع، وفي صوته صهل، وسيم قسيم، لم تعبه ثجلة، ولم تزريه صعلة، أجمل الناس وأحلاهم من بعيد، وأحسنهم وأبهاهم من قريب، إذا تكلم علاه البهاء، وإذا سكت علاه الوقار، كأن منطقه خرزات نظم ينحدرن، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرًا، وأحسنهم قدرًا، له أصحاب يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر ابتدروا أمره، محفود محشود، غير عابس ولا مفنَّد، فقال لها زوجها: والله! إنه لصاحب قريش الذي تطلب، ولأجهدن حتى ألحق به، ولأتابعنه على دينه.
أي: بمجرد أن رأوا من حاله وأفعاله صلوات ربي وسلامه عليه هذا الحال قال: لأجهدن حتى ألحق به، ولأتابعنه على دينه، فرسول الله ﷺ في هذه الرحلة المباركة يعلمنا أن الإنسان يدعو إلى الله ﷿ بقوله وفعله وسمته وهيئته صلوات ربي وسلامه عليه.
ومما يستفاد من هذه القصة: حسن رعايته ﷺ لأصحابه في السفر، فلما حلب الشاة ما شرب اللبن ﷺ، وما آثر نفسه، بل آثر أصحابه رضوان الله عليهم، وسقى أم معبد من أجل أن تزداد يقينًا، وأن تعلم حقًا أنه رسول الله ﷺ.
5 / 5