Sheikh Abdul Hay Yusuf's Lessons
دروس الشيخ عبد الحي يوسف
Türler
الإذن بالهجرة
الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار.
أما بعد: فقد سبق أن ذكرنا أن نبينا ﵊ ما خرج مهاجرًا إلى المدينة، ولا أمر أصحابه بالهجرة إلا إنفاذًا لأمر الله ﷿، وعملًا بقوله سبحانه: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾ [العنكبوت:٥٦].
وعملًا بقوله سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [النساء:٩٧ - ٩٩].
ورسول الله ﷺ يعلمنا أن المسلم لا يدع عبادة ربه، ولا يرضى بالذل، ولا يرضى بالضيم، بل يخرج من أرض إلى أرض، ويهاجر من بلد إلى بلد، ويلتمس مكانًا يعبد فيه ربه، ويقيم فيه شعائر دينه، ويجاهد في سبيله، وهذا هو الذي نتعلمه من حادثة الهجرة النبوية المباركة.
ثم إن رسول الله ﷺ ما خرج من مكة بغضًا لها، ولا زهدًا في الإقامة بها، بل هي منشؤه، ومرتع صباه، ومسقط رأسه، وبلد قومه، لكنه عليه الصلاة السلام لما ضاقت عليه مكة، وأبى أهلها أن ينقادوا لحكم الله، وأن يدخلوا في دين الله ﷿، عند ذلك ضحى النبي ﵊ بحبه لبلده، وبمقامه في أرضه، وخرج ﷺ من مكة، ثم نظر إليها وقال: (والله إنك لأحب البلاد إلي، ولولاء أن قومك أخرجوني ما خرجت)، وأنزل الله ﷿ قوله: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص:٨٥]، فالله ﷿ يبشره بأنه سيرجع إلى مكة فاتحًا منتصرًا، وسيمكنه الله ﷿ من البلاد والعباد.
إن رسول الله ﷺ ما خرج في تلك الرحلة المباركة إلا ليفتتح عهدًا جديدًا، وليقيم دولة، وليربي أمة، ولينشر دينًا.
وهذه الرحلة -رحلة الهجرة- هي نوع من أنواع سفر رسول الله ﷺ، يقول الإمام أبو عبد الله بن القيم ﵀: إن رسول الله ﷺ بعدما أكرمه ربه بالرسالة، ما خرج مسافرًا إلا لأمور أربعة: إما هجرة في سبيل الله، فقد خرج من مكة إلى المدينة مهاجرًا، وإما مجاهدًا صلوات ربي وسلامه عليه، فقد خرج في سبع وعشرين غزوة كلها في سبيل الله، وإما حاجًا، وهذا لم يحصل إلا مرة واحدة، وهي حجة الوداع، وحجة البلاغ، وحجة الإسلام، وإما معتمرًا، وهذه حصلت أربع مرار كلهن في ذي القعدة، فاعتمر رسول الله ﷺ أربع عمر كلهن في ذي القعدة.
فخرج النبي ﷺ في هذه الرحلة مهاجرًا، ولو تأملنا فيها لرأينا فيها دروسًا عظيمة ينبغي للمؤمنين أن يتأملوا فيها.
4 / 2