Sheikh Abdul Hay Yusuf's Lessons
دروس الشيخ عبد الحي يوسف
Türler
سبب نزول قوله تعالى: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان)
الآية الثانية بعد المائة: قول الله ﷿: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾ [البقرة:١٠٢].
أخرج ابن جرير عن شهر بن حوشب قال: قالت اليهود: انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل! يذكر سليمان مع الأنبياء، وما كان إلا ساحرًا يركب الريح.
فاليهود يقولون: إن محمدًا ﷺ يخلط الحق بالباطل؛ لأنه يذكر سليمان مع الأنبياء، وما كان سليمان إلا ساحرًا يركب الريح.
والله ﷿ ذكر سليمان في الأنبياء في عدة مواضع، فقد قال سبحانه: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص:٣٠]، وقال: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا﴾ [النساء:١٦٣]، وقال سبحانه: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ﴾ [الأنعام:٨٣ - ٨٤] إلى غير ذلك من الآيات، فهو نبي قطعًا، لكن اليهود الذين اتهموا المسيح ابن مريم بأنه ابن زنا، واتهموا موسى بأنه آدر، واتهموا نوحًا بأنه شرب الخمر، ولوطًا بأنه زنى بابنتيه، اتهموا سليمان بأنه كان ساحرًا، قال الله ﷿: «وَاتَّبَعُوا» أي: اليهود، «مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ»، وسليمان ﵇ سخر الله له الجن والإنس والطير، ولم يسخر الجن لأحد من بعده؛ لأنه ﵇ دعا الله فقال: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ [ص:٣٥].
أقول هذا الكلام لأن بعض الدجالين يموهون على الناس، بحيث يقول قائلهم: أنا عندي خدام، وقد سخر لي من الجن كذا.
ويحصي عددًا، فنقول: إن الجن لا يسخرون لأحد بعد سليمان، فهذا الدجال ليس الجن خدامًا له، وإنما الخِدْمات بينهم متبادلة، فالجن يسرقون له بعض الأشياء، ويخبرونه ببعض الأشياء في مقابل كفره بالله ﷿.
فالمرأة تذهب إلى الدجال فتنتظر في مكان الاستقبال، وأول ما تدخل على الدجال يقول لها: أنت فاطمة بنت زينب، وتسكنين في مكان كذا، وعندك وجع في الكلى، وعندئذ تستسلم المرأة وتظن أن هذا رجل صالح عنده كشف، والواقع أن الذي أخبره شيطانه، وشيطانه لا يعرف الغيب، فمن أين عرف؟ يعرف ذلك عن طريق القرين الشيطاني الآخر.
فالمقصود أن سليمان سخر الله له الجن، كما قال تعالى: ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ﴾ [ص:٣٧]، فكان إذا أراد أن يبني مسجدًا لا يحتاج إلى مقاولين ولا إلى عمال، بل هؤلاء الجن يعطيهم المواصفات وخلال أيام يكون المسجد قد اكتمل، كما قال تعالى: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ﴾ [سبأ:١٣] يعني: مساجد ﴿وَتَمَاثِيلَ﴾ [سبأ:١٣]، وكان ذلك في شريعتهم جائزًا، وهناك من الشياطين من يغوصون في البحر ويأتونه بالأصداف، والذي يتمرد منهم فإنه يحكم عليه بما ذكره الله تعالى في قوله: ﴿وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ﴾ [ص:٣٨].
فالشياطين كانوا يعملون مع سليمان وهم كارهون وخائفون، فلما مات ﵇ كان متكئًا على عصاه، فبدأت دابة الأرض تأكل منسأته، والجن يعملون، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ [سبأ:١٤].
ثم جاءت الشياطين بالسحر فدفنته تحت كرسي سليمان بعدما مات، فجاء اليهود وحفروا واستخرجوا تلك الأسحار، وقالوا: بهذا كان يملككم ابن داود، أي: كان مسخركم عن طريق السحر.
فالله ﷿ ينفي هذه التهمة عن سليمان بقوله تعالى: «وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ»، ولو كان ساحرًا لكان كافرًا ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ [البقرة:١٠٢] فأي ساحر أستاذه الشيطان، فلا يتعلم السحر إلا من طريق الشيطان، فهذا الذي ينبغي أن يعلم.
12 / 3