ازدادت قلقا، أما هو فإن وحشية التجربة دفعته بقوة مستهترة إلى المكاشفة. قال: قطعت رحلتي ولكنني سأرجع، شعرت بالحاجة الماسة إلى مشاورتك، علينا أن ننتهي إلى موقف موحد. - إنك منفعل إلى درجة تخيفني ... - لا أنكر ذلك، تلزمنا إرادة حديدية لنستحق حياة نظيفة، ليس الأمر هزلا، ولن أباهي بظاهر براق إذا كان الباطن عفنا، أريد أن أرفض الحياة القذرة ...
قطبت متفكرة، فقال: سأصارحك بالكثير، المصارحة بكل شيء فوق طاقتي ولكنك ذكية وتكفيك الإشارة، الحياة التي نعمنا بها طويلا حياة زائفة قذرة مهينة، هناك في الحارة عرفت أصول الأشياء، من أبي ومن أمي، من جدك ومن أبوك ومن أمك، إنها العار والقذارة، المرارة تنسيني اللياقة، تنسيني الترفق بك، ولكني لا أترفق بنفسي أيضا، الماضي كله قذر، لا يجوز أن يمتد في الحاضر، علينا أن نقرر ...
ازداد وجهها الجميل شحوبا وتجلت في عينيها نظرة كئيبة. قرأها بعمق فخطر له احتمال مخيف، وهو أنها قد يفقدها إلى الأبد، وأن يتوه بلا قطرة عزاء في جحيم المحنة. لكنه كان مشحونا أيضا بثورة طاغية. كان يعاني مقتا لمقدساته القديمة تساءلت: هل لديك أدلة قاطعة؟
فتفكر قليلا وقال: التاريخ نفسه لا يملك أدلة أقوى!
فلاذت بالصمت. ولاحظ هو أنها تتجنب المزيد من الإيضاحات. لم تسأله مثلا عما عرف عن والديها. ربما بدافع من الإشفاق، وربما لأنها في غير حاجة إلى سؤال، قال: فلنطرح الحلول الممكنة أولا، فثمة حل هو أن نتجاهل الماضي بشره ونواصل حياة تحسدنا عليها الملايين!
فبرقت عيناها، وقالت وكأنها تستغيث: في بيتنا يتوقعون أن ينزل جدي لنا عن عمارة ولو دفعا للشر، يتوقعون أيضا أنه سيملكك ثروته بعد وفاته ...
فساءه أنها تعلقت باقتراح لم يطرحه إلا بدافع الإحصاء، وقال: الحل الثاني أن نرفض القوم وثروتهم وننجو بأنفسنا مهما تكن العواقب لنحيا حياة نقية جديرة بالكرامة ...
فلاحت متفكرة بعمق وصامتة، فقال: لا أخفي عنك أن بي ثورة لا تقنع بذلك؛ لذلك أفكر في حل ثالث وهو أن أحرش الشياطين على بعضها البعض حتى لا يفلتوا من العقوبة الرادعة، ولكي تعود إلى الأشياء معانيها ...
فرمقته بارتياع وتمتمت: إنك تتحدث بجدية تنذر بأوخم العواقب ...
فتساءل متجاهلا قولها: أي حل نختار يا وداد؟
Bilinmeyen sayfa