Şeytan Bantaur
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
Türler
انظر يا مولاي إلى هذه القبعة بين تلك الطرابيش؛ هذا شاب من نوابغ الفرنساويين في الأدب، قدم مصر في هذا العام سائحا، وهو يراسل الصحف السيارة في بلاده، وينشئ لقومه الروايات التي لا تفرغ الملاعب من تمثيلها، عرفني به أحد هؤلاء الشبان عفوا في هذا النزل، فجلست معه برهة، ثم تركته ولقيت صاحبي بعد ذلك فقلت له: ألا تجمع هذا الشاب الفرنساوي بأبيك الباشا في معاهد عزه ويساره، ومجالس جلاله ووقاره؛ فإنه أحوج إلى الوقوف على شيء من مظاهر الحياة الشرقية، منه إلى إنكليزيتك وفرنساويتك وأتوموبيلك؛ فاستضحك ثم لم يزد في الجواب على أن قال: وماذا في أبي مما يروق أو يسر؟! أتريد أن تضحك الإفرنج منا؟! مع أن الباشا المشار إليه ممن امتد بهم الزمن في خدمة هذا الملك، ومعاشرة كبار الموظفين من الأجانب، ومخالطة السفراء سفيرا بعد سفير؛ وبيته في مصر رفيع العماد، يصلح ليقصده الملوك في جملة القصاد.
قال الهدهد: فما كدت أستتم حتى نهض النسر مغضبا، ثم قال: هذا يا بني هو الاحتلال، فاخرج بنا من هذا المكان؛ فللضر أهون منظرا عندي من هؤلاء الشبان.
فبرحنا النزل على هذه الصورة، وجعلنا نتمشى حتى مررنا بتجارة واسعة على الأزبكية لمصري من ذوي اليسار، عظيم القدر بين التجار، فدللت النسر عليها، وحدثته حديث صاحبها، فتهلل واهتز، ورغب في الدخول فدخلنا؛ وكان رب هذا البيت التجاري العظيم جالسا في ناحية، لا يلقي بالا لمن دخل، ولا يهمه من خرج؛ اتكالا على من معه من ذويه وغلمانه ؛ فحولت نظر النسر إليه، فغضب غضبة فرعونية وقال: متى جلس التاجر لأهل الرغبة في بضاعته جلوس الملك والحاشية قيام؟
قلت: لعل له على هؤلاء الشبان اتكالا يا مولاي.
قال: بل هو يدعوهم بهذا الربوض إلى الكسل، ويعديهم منه الخمول، ألا ترى المحل على سعة أطرافه، وكثرة مشتملاته، خلوا من الحركة العظيمة، عطلا من الحياة الكبيرة؟
قلت: لا أزال أمهد عذرا للرجل يا مولاي؛ فقد كان محله صغيرا فكبره، وكان ماله قليلا فكثره، وكان ذكره خاملا فأظهره، ثم أقصر دون التناهي؛ وهكذا تعود المصريون من دهرهم: يكتفي أحدهم بسبب من الغنى عن سائر الأسباب، وتهيئ السعادة له دارا فيقف دون الباب؛ وليس ما ترى في صاحبنا من الانقباض والانكماش والتثاقل عن إظهار تجارته، وإدارة هذا المحل العظيم حق إدارته، إلا دلائل الإقصار، وعلامات الاستغناء؛ وتلك خلة يشاركه فيها سائر الموفقين السعداء من المصريين في الزمن الحاضر.
قال: بئست الخلة، ولا بد لي أن أتقدم إلى الرجل ببعض النصح والإرشاد في هذا ومثله من شئون عمله.
قلت: وأين تعلمت التجارة يا مولاي حتى تعلمها رجالها؟
قال: التاجر يا بني تلميذ في محله، كل الواردين أساتذته، تعلمه المرأة البلهاء إذا تقدمت إليه في شراء إبرة، ويؤدبه الطفل الصغير إذا تعلق به في طلب لعبة؛ فكيف لا يرشده الرجال وهم في شغل مع التجار بالليل والنهار، يرون من أحوالهم وسيرتهم في محالهم ما لا يرى التاجر من أخيه، ولو كان جاره الذي يليه.
قلت: إن كان لا بد يا مولاي، فهذا الشاب المتوقد ذكاء، المتدفق حياة، الممتلئ من حب التجارة، أولى بغالي نصحك، وأحق بثمين إرشادك؛ لأنه من جهة في أول الشباب، وإنما يستثمر غرس التعليم في هذا العمر النضير، ومن جهة أخرى هو مخلوق لزمن خلق هذا الشيخ لما قبله.
Bilinmeyen sayfa