صلى الله عليه وسلم
بحدود الجزيرة مما يلي الروم، حين أرسل جيشا إلى مؤتة، وحين سار بنفسه في غزوة تبوك، وحين جهز جيش أسامة وأمر في مرضه بإنفاذه.
كان يرون هذا كله مقدمة لاستنقاذ العرب المنتشرين في الشام من سلطان قسطنطينية، وكانوا يقدرون أن النبي لو بقي فيهم لما قصر في العناية بتحرير العرب المنتشرين في العراق من سلطان الأكاسرة.
وكان أبو بكر - رحمه الله - يفكر حين استخلف في أن ينفذ الخطة التي كان يعلم أن رسول الله سينفذها لو عاش، وهي تحرير العرب خارج الجزيرة بعد أن أسلم العرب داخل الجزيرة، ولكنه ينظر، فإذا الكذابون قد ظهروا قبل وفاة النبي وتبعهم كثير من العرب، وإذا سائر العرب في الجزيرة قد عادوا إلى جاهليتهم وجعلوا ينظرون إلى الزكاة التي كانت تؤخذ من أغنيائهم لترد على فقرائهم على أنها إتاوة تجبى إلى ملك يقيم بالمدينة.
وكانوا قد أذعنوا بالزكاة لما أمر الله به من أداء الزكاة في حياة النبي دون أن تطيب عنها نفوسهم. قدروا أن النبي أقوى من أن يغلب؛ فدانوا له بالطاعة، فلما رأوا أنه قد مات، وأن الأمر قد انتقل إلى رجل من أصحابه لا يعدو أن يكون عربيا مثلهم، اضطربت نفوسهم أولا، ثم أنكرت ما عرفت ثانيا، ورأت هذه الزكاة إنما هي ضريبة تؤدى لقريش؛ فأخذتها العزة بالإثم، وكرهوا أن يؤدوا إلى قبيلة من القبائل العربية - وهي قريش - وإلى رجل بعينه من هذه القبيلة هو أبو بكر، ما كانوا يؤدونه إلى النبي الذي كان يأتيه خبر السماء، فأرادوا أن يصالحوا قريشا ورئيسها أبا بكر على الإسلام كله، لا يستثنون منه إلا الزكاة التي لم يألفوها في جاهليتهم، فلما أبى عليهم ذلك أبو بكر نقضوا طاعته، واستخفوا به وبمن معه لقلتهم وكثرة العرب حتى قال قائلهم:
أطعنا رسول الله إذ كان بيننا
فيا لعباد الله ما لأبي بكر؟!
أيورثها بكرا إذا مات بعده؟!
وتلك لعمر الله قاصمة الظهر
فقد نظر العرب إلى أبي بكر على أنه رجل ملكته قريش أمرها، وأبوا أن يدينوا للملوك، وهم بعد ذلك قد عرفوا من ألفوا من ملوك الغسانيين في الشام، وملوك المناذرة في العراق ، ولم يكن أولئك الملوك يتسلطون عليهم، فضلا عن أن يفرضوا عليهم الضرائب؛ فما بال هذا القرشي الذي عرفوه تاجرا كغيره من قريش يريد أن يجعل نفسه عليهم ملكا، وأن يفرض عليهم الضرائب التي لم يجرؤ ملوك غسان، ولا ملوك المناذرة على فرضها!
Bilinmeyen sayfa