من أجل هذا كله، أعرض عن تفصيل هذه الأحداث كما رواها القدماء وأخذها عنهم المحدثون في غير بحث ولا تحقيق.
وأنا أعتقد أن المؤرخ حين يقول: إن عصر الشيخين قد شهد انتصار المسلمين على الروم، وقضاء المسلمين على دولة الفرس، قد قال كل شيء، وسجل معجزة لم يعرف التاريخ لها نظيرا.
أنا إذن لا أملي هذا الحديث لأثني على الشيخين، ولا لأفصل تاريخ الفتوح في عصرهما؛ وإنما أريد إلى شيء آخر مخالف لهذا أشد الخلاف، أريد أن أعرف وأن أبين لقارئ هذا الحديث شخصية أبي بكر وعمر - رحمهما الله - كما يصورها ما نعرف من سيرتهما، وكما تصورها الأحداث التي كانت في عصرهما، وكما يصورها هذا الطابع الذي طبعت به حياة المسلمين من بعدهما، والذي كان له أعظم الأثر فيما خضعت له الأمة العربية من أطوار، وما نجم فيها من فتن.
ويقول الرواة: إن عمر قال عن أبي بكر: إنه أتعب من بعده. وليس من شك في أن عمر كان أشد من أبي بكر إتعابا لمن جاء بعده؛ فسيرة هذين الإمامين قد نهجت للمسلمين في سياسة الحكم، وفي إقامة أمور الناس على العدل والحرية والمساواة نهجا شق على الخلفاء والملوك من بعدهما أن يتبعوه؛ فكانت نتيجة قصورهم عنه - طوعا أو كرها - هذه الفتنة التي قتل فيها عثمان رحمه الله، والتي نجمت منها فتن أخرى، قتل فيها علي رضي الله عنه، وسفكت فيها دماء كثيرة كره الله أن تسفك، وانقسمت فيها الأمة الإسلامية انقساما ما زال قائما إلى الآن.
هذا النهج الذي نهجه الشيخان - والذي قصر عنه بعدهما الخلفاء والملوك - هو الذي أريد أن أعرفه وأجلوه لقارئ هذا الحديث، وأستخلص منه بعد ذلك شخصية أبي بكر وعمر رحمهما الله.
ولا أذكر عسر هذا البحث، ولا ما سأبذل فيه من الجهد، وما سأتعرض له من المشقة، وما سيعرض لي من المشكلات؛ فكل من يحاول مثل هذا البحث لا بد من أن يوطن نفسه على كل هذا العناء، ومن أن يستعين الله عليه.
أبو بكر
1
يقول الله - عز وجل - في سورة الحجرات:
قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم .
Bilinmeyen sayfa