فما كان لهم بعد ذلك أن يقنعوا من العرب بقولهم لا إله إلا الله وهم يجحدون ركنا من الأركان الخمسة للإسلام، فيؤمنوا ببعض الحديث الذي حاجوا به أبا بكر، ويتركوا بعضه حتى ينبههم أبو بكر إليه.
والرواة يحدثوننا أن نفرا من المسلمين شربوا الخمر في دمشق بعد فتحها، فكتب فيهم أبو عبيدة إلى عمر، فكتب إليه عمر أن: سلهم على رءوس الناس عن الخمر، فإن استحلوها فاضرب أعناقهم، وإن عرفوا أنها محرمة فأقم عليهم الحد.
فعمر يريد أن يسأل أبو عبيدة هؤلاء النفر عن رأيهم في الخمر: أحلال هي أم حرام؟ فإن استحلوها ضربت أعناقهم؛ لأنهم جحدوا نصا من نصوص القرآن وأمرا من أوامر الله، وإن اعترفوا بأنها محرمة عليهم أقيم عليهم الحد؛ لأنهم قارفوا إثما فاستحقوا عليه العقوبة.
فعمر الذي يهم بضرب أعناق نفر من المسلمين المجاهدين أن استحلوا الخمر، لا يمكن أن يجادل أبا بكر في حرب العرب على جحود الزكاة، وهي أصل من أصول الإسلام.
ومهما يكن من شيء فقد ثبت أبو بكر وثبت معه المهاجرون والأنصار والتابعون لهم بإحسان لانتقاض الجزيرة عليهم، وأتاح الله لهم النصر كما أتاحه للنبي
صلى الله عليه وسلم
في وقت قصير، فقد دخل العرب فيما خرجوا منه، وأدوا الزكاة، وانهزم أصحاب طليحة، وفر طليحة نفسه ثم أسلم بعد ذلك، وأبلى في فتح الفرس أحسن البلاء وأعظمه، وانهزم أصحاب مسيلمة وعادوا إلى الإسلام بعد خطوب، وقتل مسيلمة نفسه، وعاد جنوب الجزيرة العربية كله إلى الإسلام طوعا أو كرها.
كل ذلك تم في خلافة أبي بكر على ما نعلم من قصرها، وكل ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على أن أبا بكر والمسلمين قد ثبتوا لهذه المحنة القاسية، وانتصروا عليها لا لشيء إلا لأنهم صدقوا الله عهدهم وأخلصوا له قلوبهم ونفوسهم وضمائرهم، وصدقوا ما وعدهم الله في الآية الكريمة من سورة آل عمران:
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
فبذلوا أنفسهم لنصر الله أسخياء بها، وقبل الله منهم ذلك وصدقهم وعده، فرزقهم النصر كما قال - عز وجل - في سورة محمد:
Bilinmeyen sayfa