فأما إذا شاورهم في أمر لم ينزل فيه قرآن، ولم يؤمر النبي فيه بأمر من السماء، فلهم أن يشيروا عليه، وأن يقترحوا عليه كذلك غير ما هم بفعله، كالذي كان حين أنزل النبي
صلى الله عليه وسلم
أصحابه منزلا يوم بدر، فسأله الحباب بن المنذر بن الجموح: أهذا منزل أنزلكه الله - عز وجل - أم هو الرأي والمشورة؟ فلما قال له النبي: بل هو الرأي والمشورة؛ أشار عليه بمنزل آخر هو أصلح للمسلمين، فقبل مشورته.
أما بيعة الناس للخلفاء، فهي عقد بينهم وبين هؤلاء الخلفاء، لا يجوز لخليفة أن ينقضه، ولا يجوز لأحد من الرعية أن ينقضه أيضا؛ لأن الله يأمر بالوفاء بالعهد في غير موضع من القرآن، فيقول مثلا في سورة النحل:
وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون * ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ، ويقول في سورة الإسراء:
وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا .
ويجعل الوفاء بالعهد خصلة من خصال البر التي عددها في الآية الكريمة من سورة البقرة:
ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون .
والخلافة عهد بين الخليفة ورعيته، قوامه أن يلزم الخليفة نفسه أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله، وأن ينصح للمسلمين ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وأن يطيع المسلمون أوامر الخليفة ويجتنبوا ما ينهى عنه في هذه الحدود، فإن نكث الخليفة عهده فسار في المسلمين سيرة ينحرف بها عن كتاب الله وعن سنة رسوله، وعما التزم من النصح للمسلمين فلا طاعة له على رعيته، ومن حق هذه الرعية أن تطالبه بالوفاء بما أعطى على نفسه من عهد، فإن استقام فذاك، وإلا فللمسلمين أن يبرءوا منه وأن يلتمسوا لهم خليفة غيره، وإذا بغى بعض الرعية فنقض عهده الذي أعطاه للخليفة بالسمع والطاعة وجب على الخليفة أن يراجعه في ذلك، فإن فاء إلى أمر الله وأوفى بالعهد فذاك، وإن أبى وجب على الخليفة أن يقاتله حتى يفيء إلى أمر الله.
ومن أجل هذا كله قال أبو بكر في خطبته التي تروى عنه إثر بيعته: «إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني.»
Bilinmeyen sayfa