صلى الله عليه وسلم ، والغريب أنه انتظر باستخلاف عمر - رحمه الله - مرضه الذي توفي فيه ، واسترد من ابنته عائشة ما كان وهب لها من ماله ليجعله في الميراث حين أشرف على الموت.
وكل هذا مما تكلفه الرواة بأخرة، وليس عندي شك في أنه من الضعف بمنزلة ما رويت آنفا، من أن النبي هم أن يوصي له، ثم اطمأن إلى اجتماع الناس على أبي بكر، فعدل عن وصيته. وهذه الأحاديث إنما أريد بها إلى مخاصمة الشيعة فيما كانت ترى من أن عليا هو وصي النبي.
والذي لا أشك فيه هو أن القرآن لم ينظم للمسلمين أمر الخلافة ولا توارثها، وأن النبي لم يترك وصية أجمع عليها المسلمون، ولو قد فعلها لما خالف عن وصيته أحد من أصحابه، ولا من المهاجرين ولا من الأنصار.
وفضل أبي بكر أظهر من أن يحتاج إلى مثل هذا التكلف، وفضل علي أظهر من أن يحتاج إلى التكلف أيضا، فهو ابن عم النبي
صلى الله عليه وسلم ، وهو زوج ابنته وأبو سبطيه: الحسن والحسين رحمهما الله، وبلاؤه في الإسلام لا يشك فيه مسلم، وحب النبي له معروف، أعلنه
صلى الله عليه وسلم
غير مرة، فلا حاجة إذن إلى أن تخترع الأحاديث لإثبات ما لا حاجة إلى إثباته؛ كالحديث الذي يروى من أن العباس عرف الموت في وجه النبي
صلى الله عليه وسلم ، وكان يعرف الموت في وجوه بني عبد المطلب ...
فخرج علي ذات يوم من عند النبي في مرضه الذي توفي فيه، فسأله الناس عن رسول الله، فقال: أراه بحمد الله بارئا، قال الرواة: فأخذ العباس بيد علي، فقال: ألا ترى أنك بعد ثلاث عبد العصا، وإني أرى رسول الله سيتوفى في وجعه هذا، وإني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، فاذهب إلى رسول الله، فسله: فيمن يكون هذا الأمر؟ فإن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا أمر به فأوصى بنا، قال علي: والله لئن سألناها رسول الله فمنعناها لا يعطيناها الناس أبدا، والله لا أسألها رسول الله أبدا.
والغريب أن الطبري يروي هذا الحديث من طريقين دون أن ينكر منه شيئا، مع أن التكلف فيه ظاهر، وهو إنما أريد به أن يرد على الشيعة بأن عليا لم يكن يعلم أنه وصي النبي، وأنه كان يرجو أن تساق الخلافة إليه يوما، وأنه أشفق إن سأل النبي عنها أن ينبئه النبي بأنها ليست في بني هاشم؛ فيعلم الناس بهذا المنع ثم يرونه دينا فلا يسمحون بالخلافة لهاشمي أبدا.
Bilinmeyen sayfa