وقال عتريس في هدوء عنيف بارد قاس: يظهر أنك لا تتبين الأمر على حقيقته، أنا عتريس، عتريس، أتفهم؟ وأطلب منك ابنتك فؤادة لأتزوجها، أتريد أن أضع لك الأمر بصورة أخرى؟ عتريس حين يريد لا بد أن يصل إلى ما يريد، أنت عندك أرض، وفي الأرض قطن الآن وأرز وأحيانا يكون في الأرض قمح، وعندك ساقية، وعندك بهائم، وعندك أيضا - عند اللزوم - زوجتك وعندك - عند اللزوم أيضا - ابنتك فؤادة نفسها، وأنا عتريس، لعل الأمور واضحة في ذهنك الآن.
وفهم حافظ كل الفهم ولكنه عاد يقول: ألا تسألها؟ - هذا شأنك، تسألها أو تأمرها، اليوم السبت كتب الكتاب الخميس القادم. - ولكن ... - أفهمت؟ - نعم.
وخرج عتريس وأقفل الباب من خلفه وقعد حافظ متهالكا وراح ينظر من حوله ذاهلا، دقائق قليلة تم فيها هذا جميعه، أهذا معقول؟! أيمكن أن يتسع وقت العالم كله ليتم فيه هذا الانقلاب في حياته؟ ولكنه تم في دقائق، الحجرة خالية، صامتة، كأن شيئا لم يحدث، أحدث شيء؟ هل كان عتريس هنا؟ عتريس بأكمله بجميعه هنا، في هذه الحجرة، أقال ما قال فعلا؟ كيف؟ كيف تستطيع هذه الدقائق الهينة التي يقطعها الزمن في احتقار واستهانة؟ كيف؟ كيف تستطيع أن تقلب حياتي كلها بهذا اليسر؟ ما هذا الصمت إذن؟ أين الضجيج الذي كان يجب أن يملأ الدنيا من حولي؟ ما هذا السكون؟ ما هذا الصمت؟ أينقض عتريس على حياتي جميعها يختطف معنى هذه الحياة؟ ثم يهوم الصمت ويشمل الكون هذا السكون البارد في غير اهتمام كأن شيئا لم يحدث، لقد هدد، وما كان في حاجة إلى تهديد، إن طلبه وحده يحمل كل معاني التهديد، وفجأة يفتح باب الحجرة وتأتي فاطمة وفؤادة وتجلسان وتنظران إلى حافظ ولا تسألانه وينظر إليهما طويلا طويلا وهما شاخصتان إليه بلا حديث، وأخيرا يقول حافظ: فؤادة.
وتدق فاطمة صدرها صارخة: ماذا؟
وتقول فؤادة: ماذا يا أبي؟
ويعود حافظ قائلا بنفس النغمة الحانية الواجفة: فؤادة.
وتقول فؤادة: نعم يا أبي.
ويقول حافظ: إنه يريد فؤادة.
وتقول فاطمة صارخة حازمة: لا، لا، أبدا.
وتقول فؤادة محاولة أن تظهر عدم مبالاتها: ماذا يريد مني؟
Bilinmeyen sayfa