وكان الراهب يتكلم ولسانه يكاد يتلعثم، والتأثر باد في كل حركة من حركاته، وكانت سالمة ومريم تصغيان وقد شخص بصرهما في الراهب كأنهما أصيبتا بالجمود، فلما فرغ من قوله وقف شعرهما وخصوصا مريم، وكان هانئ ينظر إليهما ويقرأ تلك العواطف في وجهيهما، فلما فرغ الراهب من الكلام قال هانئ: «ما الخبر؟»
قالت مريم: «إن الدوق أود بعث إلى رئيس هذا الدير يطلب والدتي منه.»
قال هانئ: «وماذا يريد منها؟»
قالت: «يطلبها لغرض لا نعلمه.»
قال هانئ: «لا تذهب.»
فقالت سالمة: «بل أرى أن أذهب؛ لأني لو أبيت الذهاب لأخذوني قهرا.»
فصاح هانئ: «قهرا؟ يأخذونك قهرا وهانئ معك؟ ذلك لا يكون أبدا.»
ووقف ويده على قبضة حسامه، وقد أخذ الغضب منه مأخذا عظيما.
ففرحت مريم بما أبداه هانئ من الحمية بشأن والدتها، ولم تكن هي أقل حمية منه فقالت: «كيف نسمح يا أماه أن يأخذوك أسيرة ولو كانوا ألوفا إننا سندافع عنك إلى الموت.»
فقالت: «أعلم ذلك ولكن شروط الحرب تقضي علينا ألا نعرض أمير فرسان العرب وعمدة أمرائهم لشرذمة من الإفرنج فربما أصابه أحدهم بنبل، كما أصابوا حسانا بالأمس، فيذهب الأمير هانئ رخيصا - لا سمح الله - وهو عميد جند العرب وقائدهم ووساطة عقدهم فكأننا عرضنا الجند للخطر فإذا كنتما تحبانني فأطيعاني فيما أقول ولا تخافا علي بأسا؛ لأني سأسير مكرمة، وسيكون معي حضرة الراهب، وسأحمل من رئيس الدير كتاب توصية أو نحوه بحيث لا أخشى ضررا، بل أرجو أن أخدم العرب وأنا هناك خدمة لا أستطيعها وأنا معكم ومع ذلك فلا حيلة في قضاء الله.»
Bilinmeyen sayfa