Sharh Sunan Abi Dawood by Al-'Abbad
شرح سنن أبي داود للعباد
Türler
حكم التقيد بالدليل دون التقليد لمذهب
السؤال
الذي يتمسك بالكتاب والسنة ولا يتقيد بمذهب معين هل يعد خارجيًا؟
الجواب
معلوم أن الله تعالى بعث رسوله محمدًا ﷺ بالهدى ودين الحق، وتلقاه عنه أصحابه ﵃، ولم يوجد مذهب في القرن الأول الذي هو خير القرون، وإنما كان الناس يرجعون إلى أهل العلم ويقومون باستفتائهم والأخذ بما يفتون به وبما يدل عليه الدليل، ولاشك أن هذا هو الذي يجب أن يكون عليه الناس دائمًا وأبدًا.
ومن المعلوم أنه وجد في القرن الثاني عدد كبير من الفقهاء من التابعين وأتباع التابعين اشتهروا بالفقه، وفيهم من حصل له تلاميذ اعتنوا بفقهه واعتنوا بأقواله وجمعها وترتيبها وتنظيمها، وكان هناك فقهاء في درجة هؤلاء ولكن لم يتهيأ لهم من التلاميذ الذين يعنون بفقه شيوخهم مثل عناية تلاميذ الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في علمهم وفقههم وتنظيمه وترتيبه، والكل من أهل الفقه.
وكما قلت: الذي كان عليه الناس في القرن الأول لاشك أنه خير، ولا يمكن أن يقال: إن الناس كانوا على غير خير، ثم جاءهم الخير بعد ذلك، بل ما كان عليه الناس في زمن القرن الأول ينبغي أن يكونوا عليه بعد القرن الأول، ولكن بعدما وجدت المذاهب الأربعة وهي من مذاهب علماء أهل السنة اتبعها الناس، وخدمت تلك المذاهب.
والذي ينبغي لطالب العلم أن يرجع إليها، والرجوع إليها شيء طيب، ولكن الذي يعاب ويذم هو التعصب لشخص من الناس سوى الرسول ﷺ، فالرسول هو الذي يتبع في كل شيء، وهو الذي يلتزم بكل ما جاء به، وهو معصوم لا ينطق عن الهوى ﵊، أما غيره فإنه يخطئ ويصيب.
وكما قلت: الأئمة الأربعة أرشدوا إلى أنه إذا وجد حديث عن رسول الله ﷺ يخالف قولًا جاء عن واحد منهم فإنه يترك قوله ويصار إلى حديث الرسول ﷺ، وذكرت أثر الشافعي الذي قال فيه: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله ﷺ لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائن من كان.
وعلى هذا فكيف يقال: إن الذي يأخذ بالكتاب والسنة ويحرص على معرفة الحق بدليله ولا يكون ملتزمًا بقول واحد من الأئمة الأربعة أو غيرهم يكون خارجيًا؟ كيف كان القرن الأول وهو خير القرون؟ ولد أبو حنيفة سنة ثمانين، وهو أول الأئمة الأربعة ومات سنة خمسين ومائة، ومالك والشافعي وأحمد كلهم بعده في الزمن، ومعلوم أن القرن الأول هو خير القرون، وقد كان الناس فيه على هذه الطريقة، وهي الرجوع إلى أهل العلم، والأخذ مما يفتون به مما جاء في كتاب الله ﷿ وسنة رسوله ﷺ.
وهذا هو الواجب، ولا يجوز التعصب لأحد من الأئمة، ولكن الاستفادة من كتب الفقهاء الأربعة وغيرهم مطلوبة، ولا يستغني طالب العلم عن كتب الفقه، ولكن عندما يرجع الإنسان إلى كتب الفقه يرجع إليها باحثًا عن الحق بدليله، ولا يكون متعصبًا لشخص بعينه بأن يقول: لو كان هناك شيء لعلمه فلان.
وكيف يقال هذا؟ هل يقال في حق واحد من الناس إنه ما من شاردة ولا واردة إلا وهي عنده، وكل ما قاله الرسول ﷺ فهو عنده؟ هذا لا يقال في حق أحد، بل كل واحد منهم يقول قولًا ثم يأتيه الحديث فيترك قوله ويصير إليه.
والإمام الشافعي رحمة الله عليه كانت هناك مسائل عديدة وصل إليه الحديث فيها من طريق لا يصح، وأخذ بخلاف الحديث لأنه لم يصح عنده، ثم قال: وإن صح الحديث قلت به، وقد جاء بعض أصحاب الشافعي كـ البيهقي والنووي وذكروا بعض هذه المسائل على وفق الدليل الذي جاء على خلاف مذهب الشافعي وقالوا: وهذا هو مذهب الشافعي؛ أي أن هذا مذهبه حكمًا، بناء على قوله: (إن صح الحديث قلت به)، قالوا: وقد صح الحديث فهو مذهب الشافعي؛ لأنه علق القول به على صحته.
والإنسان عندما يرجع إلى كتب الفقه يستفيد منها، ويكون قصده أن يصل إلى الحق بدليله، وقد ذكر ابن القيم ﵀ في آخر كتاب الروح مثلًا ضربه للرجوع إلى الفقهاء والاستفادة من علمهم وفقههم وعدم التعصب لهم، وأن الإنسان إنما يرجع إليهم ليستعين بهم في الوصول إلى الحق وإلى الدليل، قال: فهم كالنجوم في السماء يهتدى بها: ﴿وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل:١٦] والناس إذا كانوا في الظلماء يستطيعون أن يعرفوا اتجاه القبلة وغير القبلة بالنظر إلى النجوم في السماء.
يقول ابن القيم رحمة الله عليه: إن الرجوع إلى كلام العلماء مع احترامهم وتوقيرهم أمر مطلوب، ولكن يستعين بهم في الوصول إلى الحق، وإذا وصل إلى الحق وعرف الدليل الثابت عن رسول الله ﵊ ليس له أن يعول على شيء سواه، وقال: إن هذا مثل الإنسان الذي في الفلاة في الليل يستدل على جهة القبلة بالنجم، لكن إذا وصل الإنسان إلى الكعبة وصار تحتها فإنه لا يرفع نظره إلى السماء يبحث عن النجوم ليهتدي بها إلى القبلة.
قال: وكذلك العلماء يرجع إليهم حيث يخفى الحق، ويستعان بهم في الوصول إليه، فإذا عرف الدليل لم يعول على كلام أحد.
وهذا مقتضى كلام الشافعي: (أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله ﷺ لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائن من كان).
أما الإنسان الذي ليس عنده أحد يفقهه، واحتاج إلى أن يتعلم مذهبًا من المذاهب الأربعة؛ لأنه ما أمكنه سواه، فله أن يتعلم ذلك الفقه، وأن يعبد الله ﷿ وفقًا لذلك المذهب الذي تعلمه، ولكنه إذا وجد من يبصره بالدليل ومن يعلمه بالثابت من غير الثابت فإنه يرجع إلى الدليل، وليس لأحد كلام مع كلام رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
1 / 18