Sharh Sunan Abi Dawood - Al-Rajhi
شرح سنن أبي داود - الراجحي
Türler
شرح حديث عائشة في أن النبي قبلها ولم يتوضأ
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الوضوء من القبلة.
حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى وعبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة ﵂: (أن النبي ﷺ قبلها ولم يتوضأ).
قال أبو داود: كذا رواه الفريابي وغيره.
قال أبو داود: وهو مرسل، إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة شيئًا.
قال أبو داود: مات إبراهيم التيمي ولم يبلغ أربعين، وكان يكنى أبا أسماء].
هذا الحديث في بيان حكم القبلة، والقبلة تكون بالفم، فإذا قبل الرجل زوجته فهل ينتقض وضوؤه؟ ومثله إذا مس الرجل المرأة باليد بدون حائل فهل ينتقض الوضوء أو لا ينتقض؟ هذه المسألة خلافية بين أهل العلم، وهذا الحديث فيه أن النبي ﷺ قبل عائشة ولم يتوضأ، لكن الحديث ضعيف؛ لأنه منقطع؛ لأن إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة، فيكون الحديث مرسلًا، والمرسل عند أهل العلم يطلق على ما سقط منه الصحابي، ويطلق على ما سقط من سنده واحد، فالمنقطع يسمى مرسلًا عند بعض أهل الحديث، وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا إلا أن له شاهدًا في الحديث الذي بعده، وأحاديث أخرى كثيرة تجبر هذا الضعف، وتدل على أن مس المرأة بدون حائل وتقبيلها لا ينقض الوضوء، وهذا هو الصواب من أقوال أهل العلم سواء أكان بشهوة أو بغير شهوة، إلا إذا خرج منه شيء كأن يخرج المذي من ذكره، فإن خرج فقد انتقض وضوؤه وبطل، وأما إذا لم يخرج المذي فلا ينتقض وضوؤه.
ومس المرأة فيه ثلاثة أقوال لأهل العلم: الأول: أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا.
الثاني: أنه ينقض مطلقًا، وهذا مذهب الشافعية وجماعة، سواء أكان بشهوة أم بغير شهوة.
الثالث: أن مس المرأة بشهوة ينقض الوضوء، ومسها بغير شهوة لا ينقض الوضوء، وهذا هو مذهب الحنابلة، ولهذا ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ في نواقض الوضوء الثمانية مس المرأة بشهوة، واستدل بعضهم على هذا القول بقوله تعالى: ﴿أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [النساء:٤٣] فقالوا: إن المراد بالملامسة هنا الجماع، فالمس واللمس يراد بهما الجماع، وبذلك تكون الآية شاملة للحدثين الأصغر والأكبر، حيث يقول تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ [المائدة:٦]، فقوله تعالى: «أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ» هذا هو الحدث الأصغر، وقوله تعالى: «أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ» هذا هو الحدث الأكبر.
والصواب أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا، والشافعية يشددون في هذا ويقولون: إن مس المرأة مطلقًا ينقض الوضوء، ولهذا يقول بعض المتأخرين: ليحرص الإنسان إذا توضأ وهو في المسجد الحرام ألا تمس يده يد امرأة؛ حتى لا ينتقض وضوؤه؛ لأن الوضوء شرط في صحة الطواف والصلاة.
وهذا متعذر في هذا الزمن لشدة الزحام في الأبواب وأثناء الطواف، وهذا فيه حرج على الناس.
11 / 18