فإنه أشار بهذا إلى الكلام تقدم ثم استأنف كلاما ثانيا والله تعالى أعلم. ثم اعلم أن قس بن ساعدة الإيادي بضم القاف وتشديد المهملة بليغ حكيم ومنه الحديث يرحم الله قسا إني لأرجو يوم القيامة أن يبعث أمة واحدة قيل هو أول من كتب من فلان إلى فلان وفيه نظر لقوله تعالى: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وأول من خطب بعصا وأول من أقر بالبعث من غير سماع قيل إنه عاش ستمائة سنة وقد رآه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بسوق عكاظ وهو راكب جملا له أحمر وورد رحم الله قسا إنه كان على دين أبي إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام. رواه الطبراني عن غالب بن ابجر. وفي رواية: رحم الله قسا كأني انظر إليه على جمل أورق تكلم بكلام له حلاوة ولا احفظه، رواه الأزدي في الضعفاء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ومن قوله: أيها الناس اسمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت ثم هو من أهل الفترة وأما يعرب بن قحطان فهو أبو اليمن. وقيل: هو أول من تكلم بالعربية وههنا قولان آخران في أول من قال: أما بعد. فقيل: كعب بن لؤي. وقيل:
سحبان، وهو بليغ يضرب به المثل. لكن هذا القول غير صحيح لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقولها في خطبته وهو قبل سحبان اجماعا لأنه كان في زمن معاوية وما أجيب عنه بأنه أول من قالها بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في الإسلام لا يخفى بعده لأني ما أظن أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يتركونها في خطبهم بعد ما سمعوها منه صلى الله تعالى عليه وسلم في خطبته والله أعلم. (أشرق الله) أي أضاء ونّور (قلبي وقلبك بأنوار اليقين) أي بأنواع أنواره من علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين على قدر مراتب العارفين في ميادين الدين والأصل في النور الظهور. واعلم أن مقتضى القواعد العربية واستعمال الفضلاء الأدبية إيراد الفاء بعد: أما بعد، بل بعد بعد أيضا. إما لتقدير أما وإما لتوهم أما مع رفع توهم الإضافة وإفادة الدلالة التعقيبية. وقد قال سيبويه: إن معنى أما بعد مهما يكن من شيء بعد فتعين اتيان الفاء الجزائية وسيأتي في قوله فإنك فالجمل المذكورة دعائية اعتراضية وأما قول التلمساني في قوله تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فكانت لمساكين يعملون فليس في محله لأن أما هذه تفصيلية لا شرطية (ولطف لي ولك) باللام فيهما على الأصول المصححة لا بالباء الموحدة (بما) أي بمثل ما وفي نسخة كما (لطف بأوليائه) فما مصدرية.
وفي نسخة صحيحة بما لطف لأولياء فما موصولة. وفي نسخة: بعباده (المتقين) بالباء جمعا بين اللغتين وتفننا في العبارتين. فمن الأولى قوله تعالى: إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ، ومن الثانية اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ ولطف بفتح الطاء من اللطف وهو على ما في المجمل بمعنى الرفق والرأفة، وعلى ما في الصحاح بمعنى التوفيق والعصمة. وقيل: بمعنى الهداية. وأما بالضم فمعناه دق وصغر والألطف ما قال بعضهم من أن اللطف في اللغة الرقة وهو من الله تعالى زيادة بره للأنام بأمور تدق عن الأفهام منها هدايتهم للإيمان والإسلام وتوفيقهم لطاعاته ومراعاة الأحكام وكفهم عن المعاصي والآثام وتيسير أسباب الراحات
1 / 16