Sharh Sahih Ibn Khuzaymah - Al-Rajhi
شرح صحيح ابن خزيمة - الراجحي
Türler
شرح صحيح ابن خزيمة_كتاب الوضوء [١]
الوضوء عبادة عظيمة، وهو وسيلة لأداء الصلاة التي هي عمود الدين، والوضوء يكفر السيئات ويرفع الدرجات، وهذه الأمة تدعى يوم القيامة ولها علامة يتميزون بها عن سائر الأمم، يدعون غرًا محجلين من آثار الوضوء.
1 / 1
تسمية صحيح ابن خزيمة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري الحافظ رحمه الله تعالى في كتابه الصحيح قال: كتاب الوضوء مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي ﷺ، بنقل العدل عن العدل، موصولًا إليه ﷺ من غير قطع في أثناء الإسناد، ولا جرح في ناقلي الأخبار التي نذكرها بمشيئة الله تعالى].
هذا هي طريقته ﵀؛ لأنه لم يذكر خطبة هنا، لكنه ذكر من هذا المختصر من المختصر، فهو اختصر الصحيح، فجمع أحاديث كثيرة، ثم اختصرها في أحاديث، ثم اختصر هذا المختصر، فاسمه مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي ﷺ.
وسماه المسند الصحيح أي: الحديث مسنده صحيح.
وقوله: [بنقل العدل عن العدل موصولًا إليه ﷺ من غير قطع في أثناء الإسناد] أي: ليس فيه إرسال ولا انقطاع.
وقوله: [ولا جرح في ناقلي الأخبار] أي: لا يكون الراوي لها مجروحًا.
وقد ذكر المقدم محمد مصطفى الأعظمي مقدمة طويلة منها: أنه لم يرد في قائمة مؤلفاته التي سبقت ذكر لصحيح ابن خزيمة، إذ لم يشر إليه ابن خزيمة في كتاب التوحيد، رغم مكانة هذا الكتاب بين مؤلفاته، فما هو السر؟! في الواقع أن ابن خزيمة لم يسم كتابه باسم الصحيح، كما أن ابن حبان لم يسم كتابه صحيح ابن حبان، بل إن البخاري نفسه لم يسم كتابه بصحيح البخاري، بل سماه الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله ﷺ وسننه وأيامه، وسمى ابن حبان كتابه بالمسند الصحيح على التقاسيم والأنواع، وكذلك سمى ابن خزيمة كتابه بمختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي ﷺ، لكن هذه الكتب اشتهرت مؤخرًا باسم الصحيح، ولم أجد أحدًا من المتقدمين سمى كتاب ابن خزيمة باسم الصحيح، قال الخليلي في الإرشاد: وآخر من روى عنه -أي عن ابن خزيمة - بنيسابور سبطه محمد بن الفضل، روى عنه مختصر المختصر وغيره.
وقال البيهقي في السنن الكبرى: رواه محمد بن خزيمة في مختصر المختصر، وبهذا الاسم ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء، فقال: وقد سمعنا مختصر المختصر له عاليًا، أما الخطيب البغدادي فلم يسم لنا اسم الكتاب، ولكنه ذكر في معرض ما حقه التقديم في السماع، فقال: أحقها بالتقديم: كتاب الجامع والمسند في الصحيحين لـ محمد بن إسماعيل، ومسلم بن الحجاج النيسابوري، وكتاب محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري الذي يشترط فيه على نفسه إخراج ما اتصل سنده بنقل العدل عن العدل إلى النبي ﷺ، هذا كلام الخطيب البغدادي.
وذكر ابن الصلاح هذا الكتاب فيمن اشترط جمع الصحيح في كتبه، وقال: ككتاب ابن خزيمة، ولكنه في وقت متأخر نسبيًا بدأ يشتهر الكتاب باسم: صحيح ابن خزيمة، ويستعمل المنذري المتوفى سنة ست وخمسين وستمائة في كتابه الترغيب والترهيب اسم الصحيح، فيقول ورواه ابن خزيمة في صحيحه نحو هذا وكذلك في أماكن أخرى من هذا الكتاب، ويقول الدمياطي: إن كتاب صحيح ابن خزيمة لم يقع له منه إلا ربعه الأول، وقال التركماني: ولهذا أخرج أبو بكر بن خزيمة في صحيحه، ويسميه الزيلعي في نصب الراية باسم: صحيح ابن خزيمة، وبهذا الاسم ذكره ابن حجر والسيوطي وابن فهد والآخرون، لكن الكتاب الذي اشتهر على ألسنة العلماء والمحدثين باسم: صحيح ابن خزيمة، يبدو أن مؤلفه سماه بمختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي ﷺ.
1 / 2
رواة هذا الكتاب
لا ندري بالتحقيق من الذين رووا هذا الكتاب من مؤلفه ابن خزيمة، ولكنه يبدو أن الكتاب قد انتشر براوية حفيده أبي طاهر محمد بن الفضل، وهو آخر من روى عن ابن خزيمة بنيسابور، كما مر قول الخليلي من قبل، ويمكننا أن نضيف إلى كلامه بأن حفيده ربما كان أصغر من روى عنه بنيسابور، وبما أن المحدثين أصبحوا مغرمين بالأسانيد العالية في القرن الرابع وما بعده، لذلك انتشرت رواية هذا الكتاب من طريق حفيد المؤلف دون غيره من قدماء تلاميذ ابن خزيمة.
ويفهم من ثبت الشيخ عبد القادر المسمى بإتحاف الأكابر بمروريات الشيخ عبد القادر أنه يروي صحيح ابن خزيمة من طريق زاهر بن طاهر، قال: أخبرنا بقطع منه متوالية ملفقة أبو سعيد الكنجدروذي وأبو سعد المقري ومحمد بن محمد بن عيسى الوراق وأبو المظفر القشيري وأبو القاسم الغازي بسماع الجميع للمقروء عليهم على أبي طاهر محمد بن الفضل بن الحافظ محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: أخبرني جدي الحافظ أبو بكر بن خزيمة.
ويروي ابن عساكر من طريق أبي القاسم الشحامي زاهر بن طاهر عن أبي سعيد عن أبي طاهر محمد بن الفضل عن جد ابن خزيمة، أما الذهبي فقال في ترجمة ابن خزيمة في سير أعلام النبلاء: وقد سمعنا مختصر المختصر له عاليًا، ثم روى من طريق زاهر المستملي قال: أنبأنا أبو سعد أحمد بن إبراهيم المقري قال: أنبأنا محمد بن الفضل بن خزيمة قال: أنبأنا جدي.
وعلى هذا يمكن القول بأنه روى صحيح ابن خزيمة عن أبي طاهر محمد بن الفضل عدة أشخاص منهم: أبو سعيد الكنجدروذي، وثانيًا: أبو سعد المقري، وثالثًا: محمد بن محمد بن عيسى الوراق، ورابعًا: أبو المظفر القشيري، وخامسًا: أبو القاسم الغازي، وسادسًا: إسماعيل الصابوني راوي هذه النسخة].
1 / 3
المسند الكبير لابن خزيمة
تكلم المقدم محمد الأعظمي عن المسند الكبير لـ ابن خزيمة وقال: رأينا أن ابن خزيمة أشار إلى كتابه الكبير في كتاب التوحيد، وكذلك ذكره مرارًا بهذا المختصر أيضًا.
وهنا ينشأ سؤال آخر: هل ألف ابن خزيمة المسند الكبير أولًا ثم اختصر منه هذا الصحيح، أو كان المسند الكبير في شكل المسودات؟ كان يزيد فيه أشياء ويحذف منه، ثم اختصر منه هذا المختصر؟ يستعمل ابن خزيمة عادة صيغة الماضي فيقول: قد خرجت وخرجته، وما شاكل ذلك من الكلمات، وهي تشير إلى أنه كان قد أكمل المسند الكبير، لكنا نجده أحيانًا قد غير أسلوبه فيقول في المختصر: قد خرجت باب المشي إلى المساجد في كتاب الإمامة، ثم يقول في صفحة مائتين واثنين وستين: وسأخرج هذه الأخبار أو بعضها في كتاب الإمامة، لكنه يعود فيقول بعد قليل في صفحة مائتين وثلاث وستين: قد خرجت طرق هذا الخبر في كتاب الإمامة، ويذكر بعد ذلك في صفحة مائتين وست وسبعين فيقول: قد بينت في كتاب الإمامة، علمًا بأن كتاب الإمامة متقدم مئات الصفحات على هذه الأبواب التي وردت فيها الإشارة إلى كتاب الإمامة، بالرغم من هذا يقول مرة: قد خرجت، ويذكر مرة ثانية فيقول: سأخرج هذه الأخبار.
والآن يمكننا أن نلخص فنقول: أولًا: إن هذا الكتاب مختصر من مسنده الكبير.
أي مختصر من المختصر.
ثانيًا: إن المسند الكبير لم يكن قد تم تأليفه، بل كان يضيف إليه الأشياء حسبما يتراءى له، وربما أضاف أشياء إلى المختصر لم يضفها إلى المسند الكبير].
هذا كلام مقدم الكتاب: محمد الأعظمي، والحقيقة أن المؤلف ﵀ ما أضاف أشياء إلى المختصر لم يضفها إلى المسند الكبير، وإنما اختصر من المسند الكبير: المختصر، ثم اختصر المختصر، ولم يشر إلى أنه اختصر المسند الكبير من المختصر.
فالمقدم جعل هذا الكتاب هو مختصر، وظاهره أن المسند الكبير مختصر المختصر، ثم اختصره من المختصر، وهذا لم يشر إليه المؤلف ﵀، وهو خطأ، بل الظاهر أنه جمع المسند الكبير، ثم اختصره، ثم اختصر المختصر منه، أي: إنه مثلًا جمع المسند الكبير في ستين ألف حديث، ثم اختصر منه مثلًا ثلاثين ألف، ثم اختصر المختصر إلى عشرة آلاف، فهذا هو مختصر المختصر.
1 / 4
فضائل الوضوء
[بسم الله الرحمن الرحيم.
أخبرنا إمام الأئمة فقيه الآفاق أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري الحافظ ﵀ قال: كتاب الوضوء.
مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي ﷺ، بنقل العدل عن العدل، موصولًا إليه ﷺ من غير قطع في أثناء الإسناد ولا جرح في ناقلي الأخبار التي نذكرها بمشيئة الله تعالى.
باب ذكر الخبر الثابت عن النبي ﷺ بأن إتمام الوضوء من الإسلام.
حدثنا أبو يعقوب يوسف بن واضح الهاشمي حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن يحيى بن يعمر قال: قلت: -يعني لـ عبد الله بن عمر - يا أبا عبد الرحمن إن أقوامًا يزعمون أن ليس قدر.
قال: هل عندنا منهم أحد؟ قلت: لا، قال: فأبلغهم عني إذا لقيتهم أن ابن عمر يبرأ إلى الله منكم وأنتم برآء منه.
ثم قال: حدثني عمر بن الخطاب ﵁ قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله ﷺ في أناس إذ جاء رجل ليس عليه سحناء سفر وليس من أهل البلد، يتخطى حتى ورد فجلس بين يدي رسول الله ﷺ].
أي أثر.
وفي رواية: (ليس عليه أثر السفر).
[(فقال: يا محمد! ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وأن تتم الوضوء)].
الشاهد هنا قوله: (وأن تتم الوضوء).
وهذا فيه فائدة فهو من الأدلة على وجوب العمرة؛ لأن العمرة مختلف فيها، فقيل: إنها واجبة، وقيل: إنها ليست واجبة، وذهب شيخ الإسلام إلى أنها ليست واجبة.
ولكن هذا من الأدلة على أن العمرة واجبة، ومن الأدلة كذلك حديث عائشة: (هل على النساء جهاد؟ قال: لكن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة)، فهذان دليلان على وجوب العمرة.
قال: (وتصوم رمضان، قال: فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم؟ قال: نعم.
قال: صدقت).
وذكر الحديث بطوله في السؤال عن الإيمان والإحسان والساعة] وهذا الحديث أخرجه مسلم مطولًا بالترجمة.
1 / 5
فضل الصلاة بعد الوضوء
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر فضائل الوضوء يكون بعده صلاة مكتوبة.
حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد القطان، وحدثنا محمد بن العلاء بن كريب حدثنا أبو أسامة، وحدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي حدثنا سفيان كلهم عن هشام بن عروة حدثني أبي عن حمران بن أبان أنه أخبر قال: رأيت عثمان بن عفان دعا بوضوء فتوضأ على البلاط، فقال: (أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله ﷺ يقول: من توضأ فأحسن الوضوء وصلى غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى)، هذا لفظ حديث يحيى بن سعيد].
هذا الحديث إسناده صحيح، رواه الإمام أحمد من طريق يحيى بن سعيد القطان، وفيه فضل الصلاة بعد الوضوء، وأنها من أسباب المغفرة، وفي صحيح مسلم (من توضأ فأحسن الوضوء وصلى ركعتين لا يحدث فيها نفسه غفر له).
1 / 6
فضل الوضوء ثلاثًا ثلاثًا والصلاة بعده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر فضل الوضوء ثلاثًا ثلاثًا يكون بعده صلاة تطوع لا يحدث المصلي فيها نفسه.
حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب وأخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أن ابن وهب أخبرهم قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عطاء بن يزيد الليثي أخبره أن حمران مولى عثمان أخبره (أن عثمان بن عفان دعا بوضوء فتوضأ فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم مضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل رجله اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله ﷺ توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال رسول الله ﷺ: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه)، قال ابن شهاب: وكان علماؤنا يقولون: هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة].
أي: أن النبي توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وهذا فيه فضل الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، وأن من توضأ كذلك كان مسبغًا للوضوء.
وفيه أن صلاة ركعتين لا يحدث المرء فيهما نفسه بشيء من أسباب المغفرة للذنوب السابقة، وهذا لمن اجتنب الكبائر.
والحديث أخرجه البخاري ومسلم.
والأحاديث التي أخرجها ابن خزيمة في هذا الكتاب الغالب عليها الصحة، والحسن عنده صحيح على طريقة الأقدمين؛ لأن الصحيح يشمل الحسن، وقد يخرج فيه ما هو ضعيف وهو قليل، لكنه اشترط أن ينقل عن العدل الثقة من غير قطع ولا إرسال، ولا جرح في ناقلي الأخبار، وهذا هو الغالب على كتابه ﵀، ومع هذا فإنه لم يصل إلى ما وصل إليه البخاري.
1 / 7
الوضوء سبب من أسباب حط الذنوب والخطايا
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر حط الخطايا بالوضوء من غير ذكر صلاة تكون بعده.
حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي أخبرنا ابن وهب أن مالكًا حدثه عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيًا من الذنوب)].
هذا الحديث فيه أن الوضوء من أسباب المغفرة حتى ولو لم يصل.
الحديث أخرجه مسلم، وأظنه في البخاري بلفظ آخر.
1 / 8
فضل إسباغ الوضوء على المكاره وانتظار الصلاة بعد الصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر حط الخطايا ورفع الدرجات في الجنة بإسباغ الوضوء على المكاره، وإعطاء منتظر الصلاة بعد الصلاة أجر المرابط في سبيل الله.
حدثنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل -يعني ابن جعفر - حدثنا العلاء -وهو ابن عبد الرحمن -، وحدثنا بشر بن معاذ العقدي حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح بن القاسم حدثنا العلاء، وحدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أن مالكًا حدثه عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة.
فذلكم الرباط فذلكم الرباط)، لفظًا واحدًا، غير أن علي بن حجر قال: فذلكم الرباط مرة، وقال يونس في حديثه: (ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا)، ولم يقل: قالوا: بلى].
أخرجه مسلم.
وفي هذا الحديث فضل عظيم، وأفضل هذه الأمور الثلاثة: إسباغ الوضوء على المكاره، أي: إبلاغ الوضوء على مشقة، حينما يكون الجو باردًا، ويكون الماء باردًا أو حارًا، بحيث يصعب على الإنسان تناوله فكل من أسبغ الوضوء على المكاره فله من هذا الفضل.
وقوله: (وكثرة الخطا إلى المساجد) أي: إن المصلي يذهب إلى المسجد البعيد وبكل خطوة يخطوها يرفعه الله بها درجة واحدة، ويحط بها عنه خطيئة.
وقوله: (وانتظار الصلاة بعد الصلاة) أي: أن المصلي إذا انتظرها بقلبه، واهتم بها، جلس مثلًا بين العشاءين ينتظر الصلاة، فله هذا الفضل من تلك المرابطة، فهذا ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة)، وهذا عند أهل العلم لمن لم يرتكب الكبائر؛ لأن الكبائر التي توعد الله عليها بالنار، أو اللعنة، أو الغضب، أو نفي الإيمان، لا بد لها من توبة.
قال تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ [النساء:٣١]، ولقول الرسول ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي هريرة ﵁: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر).
وأما إبلاغ الوضوء فإنه قد يبلغ في مرة، وإذا توضأ ثلاثًا فهو أكمل.
مسألة: حلق اللحية معصية، أما كونه من الكبائر ففيه نظر.
1 / 9
آثار الوضوء علامة لأمة محمد يوم القيامة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر علامة أمة النبي ﷺ الذين جعلهم الله خير أمة أخرجت للناس بآثار الوضوء يوم القيامة علامة يعرفون بها في ذلك اليوم.
حدثنا علي بن حجر السعدي حدثنا إسماعيل -يعني ابن جعفر - حدثنا العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، وحدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أن مالك بن أنس حدثه عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، وحدثنا بندار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن العلاء، وحدثنا أبو موسى قال: حدثني محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت العلاء عن أبيه عن أبي هريرة ﵁، وحدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي أخبرنا ابن علية عن روح بن القاسم عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة ﵁ قال: (خرج رسول الله ﷺ إلى المقبرة فسلم على أهلها، وقال: سلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا، قالوا: أو لسنا بإخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني قوم لم يأتوا بعد.
وأنا فرطكم على الحوض، قالوا: وكيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ قال: أرأيت لو أن رجلًا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل بهم دهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنهم يأتون غرًا محجلين من أثر الوضوء وأنا فرطهم على الحوض.
ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم فيقال: إنهم قد أحدثوا بعدك، وأقول: سحقًا سحقًا)، هذا لفظ حديث ابن علية].
والحديث أخرجه مسلم من طريق علي بن حجر، وفيه: دهم بهم، بالتقديم والتأخير.
والفرط: هو السابق الذي يتقدم القوم، والغرة: بياض في الوجه، والتحجيل في الأيدي والأرجل.
وفيه دليل على أنه يذاد رجال عن هذا الحوض عندما ترد عليه أمة محمد ﷺ.
وقد جاء في صفات هذا الحوض: أنه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأن طوله شهر، وآنيته عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا حتى يدخل الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الواردين عليه.
وحديث الحوض من الأحاديث المتواترة، وفيه أنه يذاد عنه قوم غيروا وبدلوا، كالأعراب الذين ارتدوا، ولهذا قال النبي ﷺ: (ليذادن قوم أعرفهم ويعرفوني، فأقول: ربي أصحابي) وفي اللفظ الآخر: (أصحابي أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم).
وهل يكون الحوض قبل الصراط أو بعد الصراط؟ فيه قولان: قيل: أنه قبل الصراط وقيل: بعد الصراط، والأرجح أنه قبل الصراط؛ لأنه من تجاوز الصراط وصل إلى الجنة.
وفي إسناد هذا الحديث العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي، بضم المهملة وفتح الراء بعدها قاف، أبو شبل بكسر المعجمة وسكون الموحدة المدني صدوق ربما وهم من الخامسة، مات سنة بضع وثلاثين، لكن الحديث حسن، فله طرق أخرى، ورواية مسلم من غير طريق العلاء بن عبد الرحمن.
ومما يدل على أن الحوض قبل الصراط أن الذين ارتدوا يذادون عنه، وذكر القرطبي أنه يمنع منه بعض أهل البدع، وبعض المشركين، وبعض الظلمة، لكن ذلك يحتاج إلى دليل.
والرسول ﷺ ينادي هؤلاء؛ لأنه قبل ذلك كان يعرفهم في الدنيا: (ليردن علي قوم أعرفهم ويعرفونني فيحال بينهم وبين الحوض، فأقول: ربي أصحابي)، وتارة (صحابي)، يقولها: ثلاثًا، فيقال: (إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك) وهؤلاء هم المرتدون
1 / 10
اجتهاد أبي هريرة في تطويل التحجيل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب استحباب تطويل التحجيل بغسل العضدين في الوضوء إذ الحلية تبلغ مواضع الوضوء يوم القيامة بحكم النبي المصطفى ﷺ].
والحلية بالذهب في الدنيا ممنوعة على الرجل، أما في الآخرة فإن المؤمن يتحلى بالذهب في يديه، وتبلغ الحلية حيث يبلغ الوضوء، أي: تصل إلى ما وصل إليه الوضوء.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفي الكوفي حدثنا ابن إدريس عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم قال: (رأيت أبا هريرة ﵁ عنه يتوضأ، فجعل يبلغ بالوضوء قريبًا من إبطه، فقلت له، فقال: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الحلية تبلغ مواضع الطهور).
].
الصواب أن هذا اجتهاد من أبي هريرة، وأنه لا يشرع أن يصل الوضوء إلى العضد، وإنما يتجاوز المرفق كما فعل النبي ﷺ، فقد كان يتوضأ حتى يشرع في العضد، وكذلك إذا غسل رجليه جاوز الكعبين وشرع في الساق، وأما أبو هريرة فقد كان هذا اجتهادًا منه، فكان يبالغ إذا غسل مرفقيه حتى يكاد يبلغ الإبط، وذلك حتى يحلى إلى حيث يبلغ الوضوء، وكان أيضًا إذا غسل رجليه شرع في الساق حتى يكاد يبلغ الركبة، وهذا اجتهاد منه، والصواب ألا يزيد على ما ورد في النص، وإنما يقتصر على أن يشرع في الساق ويشرع في العضد، كما فعل النبي ﷺ.
وابن خزيمة ﵀ يميل إلى ما ذهب إليه أبو هريرة من استحباب تطويل التحجيل ولهذا قال في الترجمة: باب استحباب تطويل التحجيل بغسل العضدين في الوضوء.
وقد ذكر ابن القيم ﵀ في النونية وضوء أبي هريرة، ورجح أنه غير مشروع ولا مشهور، وأن هذا اجتهاد منه ﵁.
فالسنة مقدمة على اجتهاد أبي هريرة ﵁، إذ إن الرسول لم يغسل العضدين ولا الساقين، وإنما جاء في الأحاديث الصحيحة أنه إذا غسل يديه أدار الماء على مرفقيه حتى يشرع في العضد، لا أنه غسل العضدين، وإذا غسل رجليه شرع في الساق ولم يصل إلى الركبة.
وأما قول أبي هريرة: (من استطاع أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل)، ليس فيه إطالة الغرة؛ لأن الغرة بياض في الجبهة محدود، والوجه محدود بالشعر فلا يستطيع أن يطيل الغرة، إنما يطيل التحجيل في اليدين والرجلين، لكن الغرة إطالتها محدودة.
1 / 11
شرح صحيح ابن خزيمة_كتاب الوضوء [٢]
للوضوء نواقض يجب معرفتها، فإنه لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ، وإذا شك الإنسان في انتقاض وضوئه فلا يتوضأ حتى يستيقن الحدث، فإن الأحكام ترجع إلى اليقين، واليقين لا يزول بالشك.
2 / 1
بطلان صلاة المحدث حتى يتوضأ
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب نفي قبول الصلاة بغير وضوء، بذكر خبر مجمل غير مفسر.
حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر، وحدثنا الحسين بن محمد الذارع حدثنا يزيد بن زريع، وحدثنا يحيى بن حكيم حدثنا أبو داود، قالوا جميعًا: حدثنا شعبة -وهذا لفظ حديث بندار - عن سماك بن حرب عن مصعب بن سعد قال: مرض ابن عامر، فجعلوا يثنون عليه وابن عمر ساكت، فقال: أما إني لست بأغشهم، ولكن رسول الله ﷺ قال: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)].
هذا الحديث أخرجه ابن الجارود، ومسلم في صحيحه، وليس فيه: أما إني لست بأغشهم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن سعيد أبو محمد القزاز الفارسي -سكن بغداد- بخبر غريب الإسناد قال حدثنا غسان بن عبيد الموصلي حدثنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لا تقبل صلاة إلا بطهور، ولا صدقة من غلول).
حدثنا أبو عمار الحسن بن حريث حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن كثير -وهو ابن يزيد - عن الوليد -وهو ابن رباح - عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول).
متن الحديث ثابت في صحيح مسلم، أما إسناده ففيه استنكار لأجل كثير بن زيد قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه البزار، وفيه كثير بن زيد الأسلمي، وثقه ابن حبان وابن معين في رواية، وقال أبو زرعة: صدوق فيه لين، وضعفه النسائي، وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي: ثقة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الخبر المفسر للفظة المجملة التي ذكرتها، والدليل على أن النبي ﷺ إنما نفى قبول الصلاة لغير المتوضئ المحدث الذي قد أحدث حدثًا يوجب الوضوء، لا كل قائم إلى الصلاة وإن كان غير محدث حدثًا يوجب الوضوء.
حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم وعمي إسماعيل بن خزيمة قالا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)].
رواه البخاري ومسلم.
حتى وإن كان كل واحد منهم من بلد، هذا من بغداد وهذا من الموصل، وكانا ثقتين في عصر واحد فلا يضر إذا كان يمكن اللقاء.
2 / 2
صلاة النبي الصلوات الخمس بوضوء واحد يوم الفتح
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الله ﷿ إنما أوجب الوضوء على بعض القائمين إلى الصلاة لا على كل قائم إلى الصلاة في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة:٦]، الآية.
إذ الله جل وعلا ولى نبيه ﷺ بيان ما أنزل عليه خاصًا وعامًا، فبين النبي ﷺ بسنته أن الله إنما أمر بالوضوء بعض القائمين إلى الصلاة لا كلهم، كما بين ﵊ أن الله ﷿ أراد بقوله: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ [التوبة:١٠٣]، بعض الأموال لا كلها.
وكما بين بقسمة سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني عبد المطلب أن الله أراد بقوله: (ولذي القربى) بعض قرابة النبي ﷺ دون جميعهم، وكما بين أن الله أراد بقوله: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة:٣٨]، بعض السراق دون جميعهم، إذ سارق درهم فما دونه يقع عليه اسم سارق، فبين النبي ﷺ بقوله: (القطع في ربع دينار فصاعدًا) أن الله إنما أراد بعض السراق دون بعض بقوله: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة:٣٨]، الآية.
قال الله ﷿ لنبيه ﷺ: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل:٤٤].
حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان، وحدثنا أبو موسى حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن مهدي - حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه: (أن رسول الله ﷺ كان يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر: يا رسول الله! إنك فعلت شيئًا لم تكن تفعله، قال: إني عمدًا فعلته يا عمر)، هذا حديث عبد الرحمن بن مهدي].
روى سفيان هذا الحديث عن علقمة بن مرثد ومحارب بن دثار، أما روايته عن علقمة فرواها عنه عبد الله بن نمير موصولًا عند الإمام مسلم في الطهارة، وكذلك يحيى بن سعيد عند الإمام أحمد وأبي داود.
وفي هذا الحديث أن النبي ﷺ صلى الصلوات الخمس كلها بوضوء واحد يوم الفتح لبيان الجواز، فلما سأل عمر (إنك فعلت شيئًا لم تكن تفعله، قال: عمدًا فعلته يا عمر)، فلا بأس أن يصلي الإنسان خمس صلوات أو ست صلوات بوضوء واحد إذا كان ضابطًا للوضوء.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن حسين الدرهمي بخبر غريب غريب، قال: حدثنا معتمر عن سفيان الثوري عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه قال: (كان رسول الله ﷺ يتوضأ لكل صلاة، إلا يوم فتح مكة فإنه شغل فجمع بين الظهر والعصر بوضوء واحد).
وحدثنا أبو عمار حدثنا وكيع بن الجراح عن سفيان عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة عن أبيه (أن النبي ﷺ كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم فتح مكة صلى الصلوات كلها بوضوء واحد)].
المؤلف ﵀ ساق الحديث من طريقين: من طريق سفيان عن محارب بن دثار، ومن طريق سفيان عن علقمة بن مرثد.
والذي رواه عن سفيان: وكيع بن الجراح، والمعتمر.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو بكر -وهو ابن خزيمة -: لم يسند هذا الخبر عن الثوري أحد نعلمه غير معتمر ووكيع، ورواه أصحاب الثوري وغيرهما عن سفيان عن محارب عن سليمان بن بريدة عن النبي ﷺ، فإن كان المعتمر ووكيع مع جلالتهما حفظا هذا الإسناد واتصاله فهو خبر غريب غريب].
وذلك لأن فيه: أنه ﷺ كان يتوضأ لكل صلاة، وأنه في يوم الفتح صلى صلاتين بوضوء واحد.
2 / 3
ما يجب منه الوضوء
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الدليل على أن الوضوء لا يجب إلا من حدث.
حدثنا محمد بن منصور أبو جعفر ومحمد بن شوكر بن رافع البغداديان قالا: حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثنا محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري ثم المازني -مازن بني النجار- عن عبيد الله بن عمر، وحدثنا محمد بن يحيى حدثنا أحمد بن خالد الوهبي حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر قال: قلت له: أرأيت وضوء عبد الله بن عمر لكل صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر عمن هو؟ قال: حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الغسيل -وهو الذي غسلته الملائكة؛ لأنه سمع الجهاد وهو على امرأته، فقام وهو على الجنابة وقاتل حتى قتل، فغسلته الملائكة ﵁ وأرضاه- حدثها (أن رسول الله ﷺ كان أمر بالوضوء عند كل صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك على رسول الله ﷺ أمر بالسواك عند كل صلاة، ووضع عنه الوضوء إلا من حدث، وكان عبد الله يرى أن به قوة على ذلك ففعله حتى مات)، هذا حديث يعقوب بن إبراهيم، غير أن محمد بن منصور قال: (وكان يفعله حتى مات)].
وهذا الحديث إسناده حسن، أخرجه الحاكم وأبو داود، ونقل ابن حجر هذه الرواية من ابن خزيمة في فتح الباري، وتلخيص الحبير.
ومحمد بن يحيى بن حبان بفتح الحاء مهملة موحدة ابن منقذ الأنصاري ثقة، والمعروف أنه حبان بن موسى.
وهذا كان يفعله ابن عمر ويقول: بي قوة؛ لأنه جاء في الحديث ما يدل على أن الوضوء على وضوء فيه أجر وثواب، فيحتمل أن ابن عمر ﵁ فعل هذا؛ لأجل تلك الفضيلة، ولم يذكر في هذا الحديث أن ابن عمر يقول: إنه يجد في نفسه قوة.
2 / 4
تجديد الوضوء
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صفة وضوء النبي ﷺ على طهر من غير حدث كان مما يوجب الوضوء].
هذا خاص، لكن هذا إذا كان على طهارة توضأ وقد جاء في حديث ضعيف أن النبي ﷺ قال: (من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات).
وتحديد الوضوء مشروع إذا طال الفصل من الوضوء الأول مثلًا أو صلى بالوضوء الأول ثم أراد الصلاة، أما إذا توضأ ثم يذهب ويتوضأ مرة أخرى فهذا غير مشروع، لكن إذا طال الفصل وأراد أن يجدد ليتقوى ويزيد نشاطه فلا بأس.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار بندار حدثنا محمد -يعني ابن جعفر - حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة (أنه شهد عليًا صلى الظهر ثم جلس في الرحبة في حوائج الناس، فلما حضرت العصر دعا بتور من ماء فمسح به ذراعيه ووجهه ورأسه ورجليه، ثم شرب فضل وضوئه وهو قائم، ثم قال: إن ناسًا يكرهون أن يشربوا وهم قيام، إن رسول الله ﷺ صنع مثلما صنعت، وقال: هذا وضوء من لم يحدث)].
أي أنه مسح وجهه وذراعيه ورأسه ورجليه وكان على طهارة، ومثله ما جاء في الحديث الآخر أنه مسح على نعليه، وهذا هو التجديد، وهو وضوء الذي لم يحدث.
وأما الشرب قائمًا فقد ثبت أن النبي ﷺ شرب قائمًا لما جاء زمزم وهم يسقون، فأعطوه من زمزم فشرب وهو قائم، فدل على الجواز، وأما النهي عن الشرب قائمًا فمحمول على الكراهة.
والأولى والأفضل: الشرب جالسًا، وإن شرب قائمًا فلا حرج، هذا هو الصواب؛ لأن القاعدة: أن النبي ﷺ إذا نهى عن شيء ثم فعله دل على أن النهي للكراهة.
وقد ذهب العلامة ابن القيم إلى تحريم الشرب قائمًا كما في زاد المعاد، والصواب أنه لا يحرم، بل هو مكروه كراهة التنزيه، جمعًا بين الأحاديث.
وقوله ﷺ في صحيح مسلم (من شرب قائمًا فليستقء) أي: يتقيأ، حديث منسوخ.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير عن منصور بن المعتمر عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة، فذكر الحديث وقال: (إني رأيت رسول الله ﷺ فعل كما فعلت، وقال: هذا وضوء من لم يحدث)، قال أبو بكر: ورواه مسعر بن كدام عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة عن علي، وقال: ثم قال: (هذا وضوء من لم يحدث).
حدثنا يوسف بن موسى حدثنا الفضل بن دكين وعبيد الله بن موسى.
وإسناده صحيح كما في الفتح الرباني، وأخرجه النسائي من طريق شعبة في صفة الوضوء من غير حدث، أما رواية جرير فهي في مسند الإمام أحمد وليس فيها (هذا وضوء من لم يحدث)، ورواية مسعر عن عبد الملك أيضًا في مسند الإمام أحمد.
2 / 5
ما يوجب الوضوء
2 / 6
أثر الغائط والبول والنوم على الوضوء
قال المصنف رحمه الله تعالى: [جماع أبواب الأحداث الموجبة للوضوء.
باب ذكر وجوب الوضوء من الغائط والبول والنوم، والدليل على أن الله ﷿ قد يوجب الفرض في كتابه بمعنى، ويوجب ذلك الفرض بغير ذلك المعنى على لسان نبيه ﷺ، إذ الله ﷿ إنما دل في كتابه على أن الوضوء يوجبه الغائط وملامسة النساء؛ لأنه أمر بالتيمم للمريض، وفي السفر عند الإعواز من الماء من الغائط وملامسة النساء.
فدل الكتاب على أن الصحيح الواجد للماء عليه من الغائط وملامسة النساء بالوضوء، إذ التيمم بالصعيد الطيب إنما جعل بدلًا من الوضوء للمريض والمسافر عند العوز للماء، والنبي المصطفى ﷺ قد أعلم أن الوضوء قد يجب من غير غائط ومن غير ملامسة النساء، وأعلم في خبر صفوان بن عسال أن البول والنوم كل واحد منهما على الانفراد يوجب الوضوء، والبائل والنائم غير متغوط ولا ملامس للنساء.
وسأذكر بمشيئة الله ﷿ وعونه الأحداث الموجبة للوضوء بحكم النبي ﷺ، خلاف الغائط وملامسة النساء اللذين ذكرهما في نص الكتاب، خلاف قول من زعم ممن لم يتبحر العلم أنه غير جائز أن يذكر الله حكمًا في الكتاب فيوجبه بشرط أن يجب ذلك الحكم بغير ذلك الشرط الذي بينه في الكتاب.
حدثنا أحمد بن عبدة الضبي أخبرنا حماد -يعني ابن زيد - عن عاصم، وحدثنا علي بن خشرم أخبرنا ابن عيينة حدثنا عاصم، وحدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي حدثنا سفيان عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال: (أتيت صفوان بن عسال المرادي أسأله عن المسح على الخفين فقال: ما جاء بك يا زر؟ قلت: ابتغاء العلم، قال: يا زر! فإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يطلب.
قال: فقلت: إنه وقع في نفسي شيئًا من المسح على الخفين بعد الغائط، وكنت امرأً من أصحاب رسول الله ﷺ فهل سمعت رسول الله ﷺ يذكر في ذلك شيئًا؟ قال: نعم، كان يأمرنا إذا كنا سفرًا، أو قال: مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم)، هذا حديث المخزومي وقال أحمد بن عبدة في حديثه: قال: (قد بلغني أن الملائكة تضع أجنحتها)].
وهذا الحديث إسناده حسن.
قال الحافظ في تلخيص الحبير: رواه الشافعي وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والبيهقي.
وقال الترمذي عن البخاري: حديث حسن.
وصححه الترمذي والخطابي، ومدارهم عندهم على عاصم بن أبي النجود، قال عنه الحافظ في التقريب: عاصم بن بهدلة: هو ابن أبي النجود، صدوق له أوهام، وحديثه في الصحيحين مقرون، لكنه تابع عاصم على هذه الرواية عبد الوهاب بن بخت وإسماعيل بن أبي خالد وغيرهما، كما في التلخيص.
2 / 7
وجوب الوضوء من المذي
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر وجوب الوضوء من المذي.
وهو من الجنس الذي قد أعلمت أن الله قد يوجب الحكم في كتابه بشرط ويوجبه على لسان نبيه ﷺ بغير ذلك الشرط، إذ الله ﷿ لم يذكر في آية الوضوء المذي، والنبي ﷺ قد أوجب الوضوء من المذي، واتفق علماء الأنصار قديمًا وحديثًا على إيجاب الوضوء من المذي].
إن المذي نجس بلا شك، وهو مثل البول، لكن نجاسته مخففة ويكفي فيها النضح، بخلاف البول.
والمذي أيضًا لابد من غسله، مع غسل الذكر والخصيتين، كما جاء في الحديث: (اغسل ذكرك وأنثييك)، بخلاف البول فإنه يغسل رأس الذكر، أما المذي فإنه يغسل معه الذكر والخصيتان حتى يتقلص الخارج؛ لأنهما ربما تنجسا عند خروجه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن منيع ويعقوب بن إبراهيم الدورقي ومحمد بن هشام وفضالة بن الفضل الكوفي قالوا: حدثنا أبو بكر بن عياش قال أحمد بن منيع: حدثنا أبو حصين، وقال الآخرون: عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب ﵁ قال: (كنت رجلًا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله ﷺ؛ لأن ابنته كانت عندي، فأمرت رجلًا فسأله، فقال: منه الوضوء)].
هذا الحديث رواه البخاري، وفيه أن المذي ينقض الوضوء كالبول؛ لأنه نجس، والحديث الآخر (اغسل ذكرك وأنثييك).
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا بشر بن خالد العسكري أخبرنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت سليمان -وهو الأعمش - يحدث عن منذر الثوري عن محمد بن علي عن علي ﵁ قال: (استحييت أن أسأل رسول الله ﷺ عن المذي؛ من أجل فاطمة، فأمرت المقداد بن الأسود فسأل عن ذلك النبي ﷺ، وقال: فيه الوضوء)].
وهذا الحديث رواه مسلم.
وكان ابن خزيمة يخرج الأحاديث بالطرق، والإسناد الأول هو للبخاري أخرجه من طريق أبي حصين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن حجر السعدي وبشر بن معاذ العقدي قالا: حدثنا عبيدة بن حميد قال علي: حدثني، وقال بشر: حدثنا الركين بن الربيع بن عميلة عن حصين بن قبيصة عن علي بن أبي طالب ﵁ قال: (كنت رجلًا مذاء فجعلت أغتسل في الشتاء حتى تشقق ظهري، فذكرت ذلك للنبي ﷺ -أو ذكر له- فقال لي: لا تفعل، إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا أنضحت الماء فاغتسل)].
وهذا فيه دليل على أن المذي لا يوجب الغسل، وإنما يوجب الوضوء.
والربيع بن عميلة بفتح مهملة البزاري الكوفي، ثقة من الرابعة، مات سنة إحدى وثلاثين.
وهذا الحديث إسناده صحيح، وأشار الحافظ إلى هذه الرواية.
[قال أبو بكر قوله: "لا تفعل" من الجنس الذي أقول لفظ زجر، يريد نفي إيجاب ذلك الفعل].
2 / 8
كيفية التطهر من المذي
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بنضح الفرج من المذي.
حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي أخبرنا ابن وهب أن مالك بن أنس حدثه عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود ﵁ أن عليًا بن أبي طالب ﵁ (أمره أن يسأل رسول الله ﷺ عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي، ماذا عليه؟ قال علي: فإن عندي ابنة رسول الله ﷺ، وأنا أستحي أن أسأله، قال المقداد: فسألت رسول الله ﷺ عن ذلك، فقال: إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة)].
أي: يرش فرجه بالماء، وفي الحديث أن المذي يوجب الوضوء، وأن الوضوء ينتقض بنزوله.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن مسلم حدثنا عمي أخبرني مخرمة -يعني ابن بكير - عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ابن عباس ﵁ قال: قال علي بن أبي طالب ﵁ (أرسلت المقداد بن الأسود ﵁ إلى رسول الله ﷺ، فسأله عن المذي يخرج من الإنسان كيف يفعل؟ فقال رسول الله ﷺ: توضأ وانضح فرجك)].
الحديث رواه مسلم.
2 / 9