شرح رياض الصالحين - حطيبة

Ahmad Hatiba d. Unknown
60

شرح رياض الصالحين - حطيبة

شرح رياض الصالحين - حطيبة

Türler

الشفاعة في الحدود وقد تكون الشفاعة غير جائزة، كأن يشفع الإنسان في حاجة لا يجوز له أن يشفع في مثلها، كالشفاعة في إثم، أو ذنب، أو معصية، أو في غير نصيحة، أو يكون كاذبًا في شفاعته فيدعي شيئًا غير موجود، أو يشفع في إلغاء حدود الله ﵎ وقد وصل الحد للإمام أو القاضي. وقد جاء في الصحيحين: من حديث السيدة عائشة ﵂: (أن قريشًا أهمهم أمر المرأة المخزومية التي سرقت)، وكانت امرأة مخزومية تسرق فتأخذ المتاع وتجحده، وتستعير من النساء الحلي والذهب وتضعه في بيتها، ثم تنكر أنها أخذته. قالت عائشة: (فلما كثر منها ذلك) وكأنهم أشهدوا النبي ﷺ بما صنعت هذه المرأة، فحذرها النبي ﷺ، وأمرها أن ترجع المتاع إلى أصحابه، فأبت المرأة وظلت على كتمان الحاجة التي أخذتها، فلما تكرر تحذير النبي ﷺ لها والمرأة لا تستجيب قالت عائشة: (أمر النبي ﷺ بقطع يدها). لأنه ثبت عند النبي ﷺ أنها جحدت المتاع، أو ثبت عنده أنها في مرة من المرات مدت يدها وسرقت، فأمر النبي ﷺ بقطع يدها، وكان الأمر عند قومها بني عبد الأسد شديدًا، إذ هم من أشراف الناس، وقطع يد المرأة من بني مخزوم بسبب السرقة سيحط من قدرهم، فذهبوا إلى النبي ﷺ ليشفعوا عنده، فلما لم يجدوا إجابة، قالوا: من الذي يمكن أن يشفع؟ فقيل لهم: أسامة بن زيد، فهو حب رسول الله ﷺ. فذهبوا لـ أسامة بن زيد ﵁، وكأنه تعاطف معهم، فذهب إلى النبي ﷺ يكلمه في الأمر، فما كان من النبي ﷺ إلا أن قال له مستنكرًا صنيعه: (أتشفع في حد من حدود الله؟!) يريد أن يقول له: لا يحل لك أن تصنع ذلك، فأنكر عليه إنكارًا شديدًا. (ثم قام النبي ﷺ فخطب في الناس، فقال: أيها الناس! إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). بين أن هذا الأمر ليس فيه شفاعة، فإنه أمر قد وصل إلى النبي ﷺ فكان لابد من إقامة الحد، ولا يجوز لأحد أنه يشفع فيه، بل الإنسان المسروق منه لا يجوز له التراجع، طالما صدر الحكم من القاضي. وقد تقدمت قصة صفوان بن أمية ﵁، لما ذهب إلى النبي ﷺ، ثم انتظره في المسجد فنام ووضع بردة تحت رأسه، فجاءه إنسان وسرق البردة، فأمسكه ورفعه للنبي ﷺ، كأنه يريد أن يريه أن هذا سرق مني فعاقبه. فلما رفع الأمر إلى النبي ﷺ أمر بقطع يده، مثلما أمر بقطع يد المخزومية، وما كان يظن صفوان بن أمية أن الأمر سيصل إلى قطع يد السارق، وكان حديث إسلام لم يعرف الأحكام التي في مثل هذه القضية، فقال: يا رسول الله! إني أعطيه له هبة فاعف عنه، فقال النبي ﷺ: (هلا كان قبل أن تأتيني به). والمعنى: كان يمكنك أن تشفع وأنت معه كما تريد، أما بعد أن رفع الأمر للنبي ﷺ فلا. وكذلك إذا وصل الأمر للحاكم، فلا تجوز الشفاعة، بل جاء في الأثر: لعن الله الشافع والمشفع في هذه الحالة، وذلك أن الأمر إذا رفع للقاضي وشفع الناس هذه المرة بالكلام، ورق له القاضي وسامحه، ستكون الشفاعة في المرة القادمة بالهدية، فيعطي للحاكم هدية، وللقاضي هدية، ثم تأتي بعدها الرشوة وبذلك تعم الناس الرشوة، ويفسد أمر الحكم وتلغى أحكام الله ﷾. وقد جاء عنه ﷺ أنه قال: (تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب)، أي إذا وصل الحد للنبي ﷺ وثبت فيه سرقة الإنسان أو زناه، كان لابد أن يقام الحد على الإنسان المستوجب للحد.

7 / 8