وذلك باطل بما نذكره من الأدلة العقلية التي أكدها سبحانه بقوله، وهو أصدق القائلين: {ألم ترى أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار (43)يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار(44)}[النور].
وأما الدلالة على بطلان ما قالوه من جهة العقل: أنه لا برهان لهم فيما ادعوه، وكفى بالمذهب فسادا أن لا يقوم عليه دليل، وإنما زخرفوا هذه الأقوال ونمقوها وبنوها على شروط إعتيادية، أجرى الحكيم -سبحانه- العادة بأنه يفعل تلك الأفعال عند حصولها فسموها عللا، وأضافوا الصنع إليها بغير نظر في حقائق الأمور؛ لأنا نعلم في الشاهد أن الكتابة لاتحصل منا؛ إلا بحصول أمور من دواة وقلم إلى غير ذلك من آلات الكتابة، ثم نعلم أن الكتابة فعلنا، لوقوفها على دواعينا، وذلك معلوم لكل عاقل، مع أنا نعلم أن الآلة شرط في وقوع الفعل منا، والباريء -سبحانه- غني عن ذلك؛ لأنه متمكن من الفعل بدون الشروط الإعتيادية، وإنما أجراها لمصلحة يعلمها، والأمر في إضافة الأفعال إليه أجلى وأظهر من إضافة الأفعال إلينا، فكما أنه لا إشكال في إضافة أفعالنا إلينا -وإن وقف حصولها على شروط لا يستغنى عن حصولها- فكذلك يرتفع الإشكال عن إضافة أفعاله إليه، وإنما أجرى العادة لمصلحة هي حراسة أعلام النبوءة على ماذلك مقرر في مواضعه من كتب علم الكلام.
Sayfa 72