[شرح نخبة الفكر]
مؤلف الأصل: ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل أحمد بن علي (المتوفى: 852ه)
الشارح: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير
دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير
[الكتاب مرقم آليا، رقم الجزء هو رقم الدرس - 12 درسا]
Bilinmeyen sayfa
شرح نخبة الفكر (1)
مقدمة عن كتب علم مصطلح الحديث وكتاب نخبة الفكر (شروحها- وحواشيها- ومن نظمها ... )
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما وعملا خالصا لوجهك، صوابا على سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
أما بعد:
مقدمة عن كتب علم مصطلح الحديث:
فقد طلب مني أن أشرح مختصرا وجيزا، ومتنا متينا، وأصلا أصيلا من المتون العلمية التي هي كالقواعد والأسس الثابتة التي يبنى عليها غيرها، وهذا المختصر هو (نخبة الفكر) للإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-.
وهذا الكتاب على وجازته إذ لا يزيد على ثلاث أو أربع أو خمس ورقات حسب اختلاف الطبعات إلا أنه حوى علما عظيما مباركا من أهم العلوم وأشرفها يتعلق بالمصدر الثاني من مصادر التشريع، وهو سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، والسنة جاء في أول الأمر النهي عن كتابتها وتدوينها، فقد ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي سعيد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن، ومن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه)) وهذا قاله النبي -عليه الصلاة والسلام-، خشية منه على اختلاط كلامه بكلام الله -عز وجل-؛ لأن القرآن لم يكن مجموعا في مصحف معزولا عن غيره، فإذا سمع الصحابي الكلام من النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما ينقله عن ربه -عز وجل- من وحي نوعان:
منه ما هو متعبد بلفظه وهو القرآن، ومنه ما هو متعبد بمعناه دون لفظه وهو السنة.
Sayfa 1
وكلاهما من عند الله -عز وجل- {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى} [(3 - 4) سورة النجم] فخشية منه -عليه الصلاة والسلام- أن يختلط كلامه بكلام الله نهى عن كتابة غير القرآن، فحمل أهل العلم هذا النهي على هذه الصورة، أو خشية منه -عليه الصلاة والسلام- أن يعتمد الناس على الكتابة ويهملوا الحفظ، ثم بعد ذلكم احتيج إلى الكتابة فأذن بها ((اكتبوا لأبي شاه)) يقول أبو هريرة: "ما كان من أحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر مني رواية، وأكثر مني حديثا إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب"، وبعد ذلك المنع حصل الإجماع على جواز الكتابة، بل على استحباب تدوين العلم.
ومن أهم ما يدون ما يعتمد عليه في إثبات تصرفات المسلم على مراد الله، وعلى مراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-.
كتب الصحابة، كتبوا السنن من عهده -عليه الصلاة والسلام-، واستمرت الكتابة كتابة فردية، ثم لما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة -رحمة الله عليه- أمر الإمام محمد بن شهاب الزهري بالتدوين الرسمي، فعمر بن عبد العزيز خشي من ضياع السنة لضعف الحافظة لدى الناس، ومعلوم أن العرب كانوا يتميزون بالحفظ ثم لما اختلطوا بغيرهم أخذت هذه الملكة والغريزة تضعف شيئا فشيئا، في العادة أن من يعتمد على شيء يعتني به، لما كان عمدتهم الحفظ كانوا يعتنون به، ثم لما توسعوا في أمر الكتابة، ضعفت الحوافظ لدى الناس، وهذا شيء مشاهد، الشيء الذي تعتني به وتودعه حفظك في الغالب أنك تحفظه، أما إن كنت بمجرد سماعه تخرج القلم وتكتب فإن هذا لا يثبت في الحفظ، وإن ثبت في الورق.
ثم تتابع الناس بعد ذلك على الاعتماد على المكتوب، اعتمدوا عليه اعتمادا كليا، فدونت الأحاديث، ودونت العلوم كلها، بداية من منتصف القرن الثاني يعني بعد أمر عمر بن عبد العزيز لابن شهاب الزهري تتابع الناس في الكتابة حتى وجدت المصنفات من الموطئات والمسانيد والمصنفات، المصنفات نوع من أنواع التأليف في السنة، ثم بعد ذلكم دونت الجوامع من الصحاح والسنن والمعاجم وغيرها، بهذه الطريقة وجدت كتب السنة، لكن ماذا عن كتب علوم الحديث؟
Sayfa 2
علوم الحديث كغيره من علوم الآلة التي هي وسائل إلى علوم أخرى، علوم الحديث وسيلة يتوصل به إلى تمييز الصحيح من الضعيف من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو وسيلة وليس بغاية.
في أول الأمر لم تكن الحاجة داعية إلى التأليف المستقل في هذا العلم، ومثله علوم الآلة كلها، التي هي الوسائل أصول الفقه، علوم القرآن وقواعد التفسير، وعلوم العربية بفروعها العشرة المعروفة.
لما كثر اختلاط العرب بغيرهم، وبعدوا عن عصر الرسالة احتاجوا إلى قواعد وضوابط تعينهم على فهم الكتاب والسنة، ووجد هذا العلم مبثوثا ومنثورا في كتب الأئمة، في كتب الإمام الشافعي كالرسالة والأم، وكتب تلميذه الإمام أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني ويحيى بن معين والبخاري والترمذي والنسائي وغيرهم، فوجدت هذه القواعد وهذه الضوابط التي يحتاجها طالب العلم لفهم السنن في الكتب المبثوثة.
واختلف أهل العلم في أول ما صنف في هذا العلم على سبيل الاستقلال، فمنهم من يقول: الإمام الشافعي في الرسالة، والرسالة وإن قال أهل العلم: إنها أول ما صنف في أصول الفقه، فهي أول ما دون في علوم الحديث، الرسالة يوجد فيها هذا وهذا، ولا انفكاك لعلوم الحديث من أصول الفقه، كما أنه لا انفكاك لأصول الفقه عن علوم الحديث.
وجد أيضا في سؤالات الإمام أحمد فيما يسأله عنه تلاميذه كثير من قواعد هذا العلم، وما يتعلق بعلله ورجاله ثم في سؤالات يحيى بن معين، وعلل ابن المديني، وتواريخ الإمام البخاري -رحمة الله عليه-، وجامع أبي عيسى الترمذي فيه كثير مما يحتاجه طالب العلم, ولو قيل: إن أولى ما يتمرن عليه طالب العلم في معرفة المتون والأسانيد ونقد الرجال وتعليل الأحاديث جامع الترمذي لما كان بعيدا، فيه الأنواع كلها، ووجد في سنن النسائي التراجم التي ترجم بها على الأحاديث كثير من ضروب العلل وأصنافها.
Sayfa 3
نظرا لعدم وجود بداية محددة للتأليف في هذا الفن خرج الحافظ ابن حجر من هذا كله بقوله: "فمن أول من صنف فيه القاضي الحسن بن محمد بن خلاد الرامهرمزي في كتابه (المحدث الفاصل) "، ويعتبره بعضهم هو أول المصنفات في هذا الفن، لكنه لم يستوعب، وهذا أمر طبيعي وعادي أن يكون أول من يؤلف لا يستوعب، ثم يأتي من بعده أهل العلم فيكملون ما بدأه من مشروع، ثم جاء بعده الحاكم أبو عبد الله فصنف المعرفة (معرفة علوم الحديث).
الأول قال عنه الحافظ: لم يستوعب، والثاني قال عنه: لم يهذب ولم يرتب، يعني الحاكم أبا عبد الله في (معرفة علوم الحديث)، وابن خلدون في مقدمته الشهيرة قال عن الحاكم: "إنه أول من هذب هذا العلم ورتبه"، أول من هذب هذا العلم ورتبه الحاكم فهل من اختلاف بين قول الحافظ وقول ابن خلدون؟ في اختلاف واضطراب وإلا ما في؟ نعم، هذاك قال: لم يهذب ولم يرتب، وقال هذا: أول من هذب هذا العلم ورتبه؟
أقول: لعل الحافظ -رحمه الله- نظر إلى من جاء بعد الحاكم فمن قارن كتاب الحاكم بما ألف بعده من كتب في علوم الحديث حكم على معرفة علوم الحديث أنه لم يهذب ولم يرتب، وابن خلدون نظر إلى ما كتب قبل الحاكم، ولا شك أن الحاكم أبدع في كتابه إذا نظرنا إلى ما ألف في الفن قبله، ترتيب وتهذيب وجمع لا نظير له إذا قسناه بما قبله.
ثم جاء الحافظ أبو نعيم الأصفهاني فعمل على كتاب الحاكم مستخرجا. . . . . . . . . المستخرج على علوم الحديث، إيش معنى المستخرج؟ يعمد عالم من علماء الحديث إلى كتاب معتبر عند أهل العلم ويخرج أحاديث الكتاب بأسانيده هو من غير طريق صاحب الكتاب، وقد يستغلق عليه الأمر ويضيق عليه فلا يجد الحديث إلا من طريق مؤلف الكتاب وحينئذ هو بين خيارات ثلاثة -كما فعله أصحاب المستخرجات-: إما أن يعلق الحديث ويحذف الإسناد، أو يرويه من طريق صاحب الكتاب، أو يحذف الحديث.
Sayfa 4
ثم بعد أبي نعيم تتابع أهل العلم في الكتابة في هذا العلم فألف الخطيب البغدادي الذي صنف في علوم الحديث وفي قوانين الرواية كتابا جامعا ماتعا نافعا أسماه: (الكفاية في قوانين الرواية) وفي آداب الراوية والراوي كتابا آخر أسماه: (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)، وهذا كتاب نفيس لا يستغني عنه طالب علم، ونحن اليوم بأمس الحاجة إلى مثل هذا الكتاب إذا أضيف إليه (جامع بيان العلم وفضله) لابن عبد البر، و (فضل علم السلف على الخلف) لابن رجب، و (مقدمة الموضح في أوهام الجمع والتفريق) للخطيب أيضا، طالب العلم بحاجة ماسة إلى أن ينظر في مثل هذه الكتب؛ لأننا نلاحظ على كثير من طلاب العلم لا سيما من يتصدى لهذا الفن العظيم -أعني الحديث وعلومه- نلاحظ عليهم بعض الشدة والقسوة وشيء من غمط الآخرين، ولا أقول: إن هذا موجود بكثرة لكنه موجود.
ثم ألف القاضي عياض كتابا لطيفا أسماه: (الإلماع إلى أصول الرواية وتقييد السماع) لكنه خاص بطرق التحمل والأداء.
ثم بعد ذلكم جاء الإمام أبو عمرو بن الصلاح فألف مقدمته الشهيرة التي جمع فيها ما تفرق مما كتب قبله في كتب الخطيب وغيرها؛ لأن الخطيب ما من نوع من أنواع علوم الحديث إلا وكتب فيه كتابا مستقلا، حتى قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: "كل من أنصف علم أن كل من جاء بعد الخطيب عيال على كتبه" عالة على كتب الخطيب، ثم بعد ذلكم يقال: الخطيب أساء إلى علوم الحديث، وأدخل فيه من أصول الفقه وعلم الكلام، لا شك أن الناس في القرن الخامس وما بعده تأثروا بعلم الكلام، ويأتي مزيد بسط لهذا الكلام -إن شاء الله تعالى-.
Sayfa 5
علوم الحديث لابن الصلاح جمعه من كتب الخطيب وغيرها ورتبه لما ولي تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية فصار يجمع النوع ويحرره وينقحه ثم يمليه على طلابه، ولذا نلاحظ عليه بعض التقديم والتأخير، تقديم ما حقه التأخير والعكس، لكنه كتاب جامع كتاب نافع ماتع، اشتغل الناس به عن غيره، فكان كما قال الحافظ: "لا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومقتصر، ومعارض له ومنتصر" وهو أهل لأن يولى هذه العناية، اختصره النووي في كتابيه: (الإرشاد والتقريب)، اختصره الحافظ ابن كثير، اختصره العز بن جماعة، اختصره جمع من أهل العلم، نظمه الحافظ العراقي في ألفيته، ونظمه أيضا غيره من أهل العلم، ونكت عليه الحافظ العراقي وابن حجر وبرهان الدين الأبناسي وجمع من أهل العلم.
كتاب نخبة الفكر وشروحها:
ثم بعد هذا جاء الحافظ ابن حجر فألف نخبته الشهيرة التي اشتغل الناس بها عن غيرها، ولا شك أنها أساس متين بالنسبة لمن يريد الدخول في هذا الفن، لمن يريد الدخول في هذا الفن أعني علوم الحديث.
اشتغل الناس بها، وعنوا بها، فشرحت شروحا كثيرة، فشروحها بالعشرات لا بالآحاد، ورغم اختصارها اختصرت ونظمت لكونها منثورة، ولا مانع أن نطلع على شيء من عناية أهل العلم بها.
فممن شرحها مؤلفها الحافظ ابن حجر في كتابه: (نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر)، شرحها أيضا الشيخ: كمال الدين الشمني في كتاب أسماه: (نتيجة النظر)، شرحها أبو الفضل أحمد بن صدقة، المعروف بابن الصيرفي، وابن موسى المراكشي، ومحمد عبد الرؤوف المناوي، وعبد العزيز بن عبد السلام العثماني، وابن همات الدمشقي، وإسماعيل حقي البروسوي، ومحمد بن عبد الله الخرشي المالكي.
والشرح -أعني نزهة النظر- شرح أيضا من قبل جمع من أهل العلم منهم: ملا علي سلطان القاري، شرحه معروف ومتداول، ومنهم محمد عبد الرؤوف المناوي في كتاب أسماه: (اليواقيت والدرر) وهو مطبوع أيضا،
منها: (قضاء الوطر) لبرهان الدين اللقاني، و (إمعان النظر) لمحمد أكرم السندي، و (بهجة النظر) لأبي الحسن السندي أيضا.
حواشي النخبة:
Sayfa 6
وعليها حواشي كثيرة منها: حاشية تلميذ المصنف قاسم بن قطلوبغا الحنفي، وهذه الحاشية نفيسة استدرك فيها على الحافظ الشيء الكثير، وحاشية لمحمد بن أبي شريف، وحاشية لرضي الدين الحنبلي، وأبي الحسن الأجهوري، وإبراهيم الشهرزوري، وإبراهيم الكردي، ومن الحواشي المطبوعة: (لقط الدرر) للشيخ عبد الله بن حسين العدوي المالكي.
مختصرات النخبة:
والنخبة على اختصارها لها مختصرات من أشهرها : (بغلة الأريب) للمرتضى الحسيني الزبيدي شارح القاموس، ومنها: (المختصر من نخبة الفكر) لعبد الوهاب بن أحمد بن بركات الأحمدي، وهذا المختصر جيد، شرحه محمود شكري الألوسي في كتاب أسماه: (عقد الدرر)، وهناك مختصر للنخبة لمحمد بن مصطفى الخرماني.
نظم النخبة:
ممن نظم النخبة كمال الدين الشمني الذي سبق ذكره في الشراح، في نظم أسماه: (الرتبة في نظم النخبة) وهو نظم جيد، أوله:
وبعد فاعلم أن نخبة الفكر ... أجل ما صنف في علم الأثر
قد جمعت أنواع هذا العلم ... وقربت قصيه للفهم
فالله يجزي من لها قد صنفا ... أعظم ما جازى به مصنفا
ولابنه تقي الدين أحمد بن محمد الشمني شرح على نظم والده سماه: (العالي الرتبة شرح نظم النخبة).
ممن نظمها أحمد بن إبراهيم بن نصر الله العسقلاني، وبرهان الدين محمد بن إبراهيم المقدشي، وشهاب الدين أحمد الطوفي، وشهاب الدين أحمد بن صدقة الصيرفي، ورضي الدين الغزي، وشرح الغزي هذا موجود ولحفيده شهاب الدين شرح على نظم جده.
وممن نظمها الشيخ: منصور الطبلاوي، ومن أهم منظومات النخبة نظم الأمير الصنعاني -رحمه الله- اسمه: (قصب السكر في نظم نخبة الفكر) وهو كتاب جميل فيه أكثر من مائتي بيت.
يقول الصنعاني -رحمه الله- لما تكلم عن النخبة:
ألفها الحافظ في حال السفر ... وهو الشهاب بن علي بن حجر
ونسخ النظم تختلف من نسخة إلى أخرى، فهذا البيت -أظن- مروي على وجه آخر:
ألفها الحافظ ثاقب النظر ... وهو الشهاب بن علي بن حجر
طالعتها يوما من الأيام ... فاشتقت أن أودعها نظام
فتم من بكرة ذاك اليوم ... إلى المساء عند قدوم النوم
نظم النخبة في كم بيت؟ مائتين وزيادة، كم أخذت عليه؟ يوم واحد.
Sayfa 7
طالعتها يوما من الأيام ... فاشتقت أن أودعها نظام
فتم من بكرة ذاك اليوم ... إلى المساء عند قدوم النوم
يوما معمور بالعلم كعادتهم -رحمة الله عليهم-، بخلاف ما نشاهد ونلاحظه على طلاب العلم في هذه الأزمان، الشخص إذا قرأ ساعة أو أقرأ ساعة ظن أنه جاء بما لم تأت به الأوائل ، وأن الأمة بكاملها لولا هذه الخدمة ما تيسر لها هذا النصر وهذا التمكين، الله المستعان.
ثم بعد هذه الساعة وقبل هذه الساعة يقضي وقته في القيل والقال، لكن على طالب العلم الحريص المتحري المشفق على نفسه أن يعمر وقته بطاعة الله، وتأصيل نفسه بالعلم الشرعي المتلقى من الكتاب والسنة، والله المستعان.
هذا النظم للأمير الصنعاني مشروح من قبل مؤلفه الصنعاني نفسه وشرحه مطبوع، شرحه أيضا الشيخ: عبد الكريم بن مراد الأثري، ولي عليه شرح مبسوط.
ممن نظمها أيضا الشيخ: عبد الله بن عمر اليماني، والشيخ عثمان بن سند البصري، وله شرح على نظمه أسماه: (الغرر شرح بهجة البصر).
طبعات النخبة:
النخبة وشرحها للحافظ ابن حجر طبعت مرارا وعليها تعليقات منها -بل من أقدمها غير الحواشي التي ذكرت سابقا عند من تقدم- من أول من علق على النزهة شخص يقال له: أبو عبد الرحيم محمد كمال الدين الأدهمي، له تعليقات وله تنبيهات لطيفة ومفيدة، لكن في بعضها تحامل ظاهر على ابن حجر، هناك أيضا حاشية وتعليق للدكتور نور الدين عتر، ولعلي بن حسن بن عبد الحميد الحلبي له أيضا حواشي ونكت على النخبة وشرحها.
Sayfa 8
في مقدمة فتح الباري طبعة بولاق سنة (1301ه) طبع على صفحة العنوان من هدي الساري طبع عليها ما نصه: "قال في الضوء اللامع في ترجمة الحافظ ابن حجر ما لفظه: "وسمعته يقول -يعني السخاوي يقول: "سمعت ابن حجر يقول: "لست راضيا عن شيء من تصانيفي لأني عملتها في ابتداء الأمر، ثم لم يتهيأ لي من تحريرها سوى شرح البخاري ومقدمته والمشتبه والتهذيب ولسان الميزان، بل كان يقول فيها: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أتقيد بالذهبي ولجعلته كتابا مبتكرا"، يقول: "بل رأيته في مواضع أثنى على شرح البخاري -يعني وحق له ذلك- والتغليق والنخبة"، ثم قال: "وأما سائر المجموعات فهي كثيرة العدد، واهية العدد، ضعيفة القوى، ضامية الروى، ولكنها كما قال بعض الحفاظ من أهل المائة الخامسة:
ومالي فيه سوى أنني ... أراه هوى وافق المقصدا
وأرجو الثواب بكتب الصلاة ... على السيد المصطفى أحمدا
وهذا الحافظ هو أبو بكر البرقاني، وقبل البيتين قوله:
أعلل نفسي بكتب الحديث ... وأحمد فيه لها الموعدا
وأشغل نفسي بتصنيفه ... وتخريجه دائما سرمدا
وهذا الكلام المنسوب إلى الضوء اللامع لم أجده فيه، لم أجده في الضوء اللامع، بل هو موجود أو قريب منه في الجواهر والدرر في ترجمة الحافظ ابن حجر للسخاوي، ويهمنا من ذلك أنه راضي عن النخبة.
طالب:. . . . . . . . .
وفي لسان الميزان، اختصر كلام الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال، ثم زاد عليه، بدأ بتجريد كتاب الذهبي وذكر الزوائد ثم اضطرب في الترتيب؛ لأنه تبع كتاب آخر تقيد بكتاب آخر، لكن لو ألفه ابتداء كان أجود؛ لأن الإنسان وهو يؤلف ابتداء حر يرتب كيفما شاء، لكن إذا تقيد بالكتاب مشكلة لا بد أن يتبع ذلك الكتاب.
الدعوة إلى نبذ قواعد المتأخرين في مصطلح الحديث:
هناك دعوة تردد على ألسنة بعض طلبة العلم ممن يعتني بالحديث وعلومه ممن هم فيما نحسبهم -والله حسيبهم- من خيار طلاب العلم ولا يساء بهم الظن، هناك هذه الدعوة التي أثيرت قبل سنوات تدعو إلى نبذ قواعد المتأخرين في مصطلح الحديث، والأخذ مباشرة من كتب المتقدمين، لماذا؟ لأن قواعد المتأخرين قد تختلف أحيانا عن مناهج المتقدمين.
Sayfa 9
فلو أخذنا على سبيل المثال زيادة الثقة، تعارض الوصل والإرسال، تعارض الوقف مع الرفع، لوجدنا أن المتأخرين في كتبهم يحكمون بأحكام مطردة ثابتة، فيقبلون زيادة الثقة مطلقا، وإن جنح بعضهم إلى ردها مطلقا.
واقبل زيادات الثقات منهم ... ومن سواهم فعليه المعظم
"وقيل: لا"، ويحتج من قبل زيادة الثقة مطلقا بأن معه زيادة علم خفيت على من نقص، كما أن من حكم للوصل مطلقا يقول: معه زيادة خفيت على من أرسل، وهكذا الشأن فيمن حكم للرفع دون الوقف والعكس، يقول: ترد زيادة الثقة لأنها مشكوك فيها، القول الثاني: يحكم بالإرسال لأنه متيقن، والوصل مشكوك فيه، يحكم للوقف لأنه متيقن والرفع مشكوك فيه، وعلى هذا يطردون الأحكام على الأحاديث، بينما نجد الأئمة الكبار كأحمد والبخاري وأبي حاتم والدارقطني لا يحكمون بأحكام عامة مطردة، فتجدهم أحيانا يقبلون الزيادة وأحيانا يردونها، أحيانا يحكمون بالوصل وأحيانا يحكمون بالإرسال، أحيانا يحكمون بالوقف وأحيانا يحكمون بالرفع، فليس هناك لديهم قواعد مطردة، بل يحكمون على كل حديث بما ترجحه القرائن بالنسبة لهذا الحديث على وجه الخصوص، وهذه الدعوة إلى نبذ قواعد المتأخرين وتقليد المتقدمين أقول: في ظاهرها جيدة، لكن مخاطبة الطالب المبتدئ بها تضييع له، حينما يقال للطالب المبتدئ: انبذ قواعد المتأخرين، اترك النخبة، اترك ابن كثير والباعث، اترك ابن الصلاح وألفية العراقي، كيف يتعلم ويتمرن على علم المتقدمين؟ كيف يخاطب الطالب المبتدئ ويقال له: تبدأ بشرح علل الترمذي لابن رجب، أو تبدأ بالإلزامات والتتبع للدارقطني؟ هو ما يعرف الصحيح من الضعيف حتى يبدأ بمثل هذه الكتب.
وإذا قيل له: قلد المتقدمين، لا شك أن المتأخرين عالة على المتقدمين، والأصل في هذا الباب هم المتقدمون، لكن كيف نتعلم على كتب المتقدمين وعلى أحكام المتقدمين؟
Sayfa 10
طالب مبتدئ في حكم العامي كيف يتمرن على قواعد المتقدمين؟ لا بد من أن يتمرن على قواعد المتأخرين، ويضبط هذه القواعد ويتقنها، ثم يبدأ بنفسه يخرج وينظر في الأسانيد، وإذا أكثر من ذلك وتأهل وصارت لديه أهلية النظر، وتأهل لمحاكاة المتقدمين في أحكامهم على الحديث بالقرائن، لا بأس هذا فرضه؛ لأن المتأخرين عالة على المتقدمين.
فإذا أراد أن يحكم على حديث: ((لا نكاح إلا بولي)) كيف يحكم عليه؟ وقد حكم البخاري بوصله وأبو حاتم بإرساله؟ كيف يحكم على هذا الحديث؟ هل لديه أهلية لينظر بين أقوال أهل العلم بالقرائن فيرجح ما ترجحه القرائن، ماذا عنده من القرائن؟ أئمة كبار يحفظون مئات الألوف من الأحاديث، يكفيهم من الحديث شمه من أجل أن يحكموا عليه، أحكام المتقدمين فرع عن علم المتقدمين، علم المتقدمين قليل جدا، إيش معنى قليل؟ قليل الكلام وهو علم مبارك، يعني ما تركوا شيء ما حكموا عليه لكنه مبارك، من يطالع في: (فضل علم السلف على الخلف) للحافظ ابن رجب -رحمه الله- عرف كيف يحكم المتقدمون ؟ وكيف يفتي المتقدمون؟ بينما علم المتأخرين كثير، كثير جدا، تجده إذا أراد أن يشرح مسألة يأخذ عليها ساعة، ويكتفي المتقدم بكلمة.
يقول ابن رجب -رحمه الله تعالى-: "من فضل عالما على آخر بكثرة الكلام فقد فضل الخلف على السلف" ونحن نبهر إذا وجدنا الشخص واضح العبارة بين الأسلوب، وماذا وراء ذلك من العلم والعمل؟! والله المستعان.
أعود إلى المسألة فأقول: إذا كان الطالب ينصح وهو مبتدئ بمحاكاة المتقدمين في أحكامهم على الأحاديث، حديث: ((لا نكاح إلا بولي)) حكم الإمام البخاري بوصله وحكم أبو حاتم بإرساله بما تحكم أنت؟ هل أنت مطالب بتقليد الأئمة في كل حديث تبعا لهذه الدعوى؟ الأئمة ما اتفقوا في الحكم على حديث واحد، كيف تقلدهم؟ تقلد من؟ هل لديك أهلية وأنت مبتدئ أن تقول: أنا أقلد الإمام أحمد أو أقلد البخاري بإطلاق؟ ما استفدت قد يكون الصواب مع البخاري أو مع أحمد أحيانا.
Sayfa 11
إذا حكم البخاري بأن حديث رفع اليدين بعد الركعتين مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، واعتمد عليه من حديث ابن عمر في صحيحه وحكم عليه الإمام أحمد بالوقف تقلد من من المتقدمين؟ إن كان المقصود تقليد المتقدمين في كل حديث حديث فلا شك أنه مستحيل؛ لأن أحكام المتقدمين متباينة في الأحكام على الحديث، بل وفي أحكامهم على الرجال، فمن نقلد من المتقدمين؟ إن كان المقصود محاكاة المتقدمين في أحكامهم على الأحاديث فنقول: كلام جميل وطيب وممكن، لكن كيف مبتدئ؟ كيف يحاكي المتقدمين فيحكم على الحديث بالقرائن وهو ما يعرف القرائن؟ قد يكون الشاهد لهذا الحديث أو المتابع لهذا الحديث بعد ورقة من الحديث الذي يدرسه، وهو لا يعرفه ولم يطلع عليه، كيف يحكم على الأحاديث بالقرائن؟ نقول: لا بد من معاناة كتب المتأخرين، وإدامة النظر فيها وفهمها وإتقانها ثم بعد ذلكم التمرين والتخرج على هذه الكتب بالإكثار من تخريج الأحاديث، ودراسة أسانيدها، وجمع طرقها وشواهدها ومتابعاتها، ثم بعد ذلكم إذا تأهل الطالب يقال له: فرضك محاكاة المتقدمين ولا تقلد المتأخرين، ونظير هذه الدعوى دعوى سبقتها بأكثر من عشرين سنة تدعو إلى نبذ كتب الفقه والتفقه مباشرة من الكتاب والسنة، لا نختلف مع أحد في أن الأصل الكتاب والسنة، وأنه لا علم إلا من الكتاب والسنة، لكن كيف يتفقه الطالب المبتدئ من الكتاب والسنة؟ هل لديه من الأهلية ما يمكنه من ذلك؟ هل حفظ من النصوص ما يدفع به التعارض ويتمكن من الجمع بينها؟ هل عرف المطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، والعموم والخصوص؟ هذا الطالب الذي يخاطب بمثل هذا الكلام، اترك كتب الفقه، هذه أقوال الرجال، بل وجد من أحرق بعض الكتب كالزاد وغيره، ويتندرون بطلاب العلم ويقولون لمن حفظ الزاد: صار حكما بين العباد، مبالغة في التنفير من هذه الكتب، نقول: لا، الطالب المبتدئ لا بد أن يتفقه على الجادة، فيفهم الزاد، أو غيره من الكتب، من غير إلزام بكتاب معين، المقصود أنه يسلك الجادة، يأتي إلى الزاد وهو على سبيل المثال من أجمع الكتب، والزاد من أجمع الكتب وأكثرها مسائل، يأتي إليه الطالب فيفهم المسائل، إن كان ممن تسعفه الحافظة فيحفظ وإلا
Sayfa 12
يقتصر على الفهم، يأتي إلى الزاد مسألة مسألة فينظر في هذه المسألة في قول المؤلف كذا، يراجع الشرح، يتصور المسألة على وجهها، يستدل لهذه المسألة، يلتمس الدليل لهذه المسألة، ثم ينظر من قال بما قاله المؤلف من أهل العلم؟ وبما استدلوا؟ من خالف هذا القول؟ وبما استدل؟ ثم يوازن بين الأدلة، وهذه مرحلة لاحقة، يعني المبتدئ يكفيه أن يعرف هذه المسائل ويتصورها على الوجه الصحيح ثم مرحلة ثانية يستدل لهذه المسائل، ثم مرحلة ثالثة يقارن بين أقوال الأئمة مع أدلتها، ويرجح القول الراجح إذا تأهل، ليس معنى هذا أن الزاد دستور مثل القرآن لا يحاد عنه، لا، الزاد فيه أكثر من ثلاثين مسألة خالف فيها المذهب، فضلا عن القول الراجح، حينما ينصح بالزاد أو بغيره من الكتب ليس معنى هذا أنها ضربة لازب، لا، لا يحاد عنها، إنما يتمرن عليه، مثل خطة البحث، تتخذ هذا الكتاب خطة ومنهج تسير عليه، تتفقه عليه، فإذا تصورت مسائله وذكرت الأدلة وعرفت من خالف بدليله واستطعت أن توازين بين الأقوال بأدلتها، ورجحت القول الراجح وما تدين الله به، وهذه –مثلما ذكرنا- مرحلة ثالثة، حينئذ تتأهل لأن تتفقه من الكتاب والسنة، أما تتفقه من الكتاب والسنة كيف تتفقه منه؟ تجد آية عامة تخصيصها في حديث مثلا قد لا تقف عليه إلا بعد سنوات، تجد آية مطلقة حديثها مقيدها حديث لا تقف عليه إلا بعد مدة طويلة، حديث تنظر فيه في أوائل صحيح البخاري لا تقف على ناسخه إلا آخر ابن ماجه، متى تتفقه على الكتاب والسنة؟ نعم إذا تأهلت فرضك الاجتهاد، ولا يجوز لك أن تقلد الرجال، إذا تأهلت لكن قبل أن تتأهل الطالب المبتدئ في حكم العامي فرضه التقليد، اسألوا أهل الذكر، فرضه سؤال أهل العلم، في حكم العامي، لكن إذا تأهل، يعني شخص يقرأ في كتاب من كتب السنة: باب الأمر بقتل الكلاب، ويتفقه من السنة، ثم يأخذ المسدس وما شاف من كلب قتله، درسه في الكتاب نفسه من الغد: باب نسخ الأمر بقتل الكلاب، فمثل هذا يتفقه من الكتاب والسنة؟ وفي كتب الفقه مباشرة والأمر بقتل الكلاب منسوخ ينتهي الإشكال، ينظر كيف جاء الأمر بقتل الكلاب؟ من خلال هذه الجملة ينظر في أحاديث .. ، لأنه دل على أن هناك أمر بقتل
Sayfa 13
الكلاب، ودل من خلال هذه الجملة أن هناك نسخ لهذا الأمر بجملة واحدة، لا يعني هذا أننا ندعو إلى التقليد، لا والله، بل فرض طالب العلم المتأهل الاجتهاد، الاجتهاد حسب القدرة والطاقة، وإلا الاجتهاد المطلق لو قيل باستحالته لما بعد، وقد أغلقه الأئمة من قديم، أغلقه العلماء، أغلقوا باب الاجتهاد، لكنه مفتوح، وشرطوا له شرائط، لكن إيش معنى الاجتهاد المطلق الذي هو مفتوح؟ هل معناه الاجتهاد في كل مسألة مسألة بجميع ما تطلبه هذه المسألة؟ يعني إذا أردنا حكم من الأحكام وبحثنا فيما جاء في هذا الحكم من نصوص جئنا إلى ما جاء في القرآن، جئنا إلى ما ذكر في السنة من أحاديث وجمعنا طرق هذه الأحاديث ونظرنا في رجال هذه الطرق واحدا بعد واحد، فبدأنا بأول إسناد وفيه خمسة ستة من الرواة، ولك راو من الرواة فيه أقوال تصل أحيانا إلى العشرين عن أهل العلم، عن أهل الشأن.
فإن أردت أن تحكم على هؤلاء الخمسة والستة والسبعة من خلال هذه الأقوال العشرين، وأردت أن ترجح وتوازن بين هذه الأقوال، الراوي الواحد يحتاج إلى وقت طويل، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، إلى ستة، ثم بعد ذلكم الطريقة الثاني، إن احتجت إليه، ثم الثالث إن احتجت إليه، وهكذا، وهذا كله في مسألة واحدة تأتي إلى المسألة التي تليها فتصنع بها مثل ما صنعت بالمسألة الأولى، هذا إذا أردت أن تجتهد في الاستنباط وفي إثبات عمدة الاستنباط،
....
إثبات الدليل، لا شك أن هذا يحتاج إلى وقت طويل.
وإذا عرفنا أن شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز أو الألباني أو غيرهما -رحمة الله على الجميع- ممن يشار إليه بالتفرد في هذا العلم لم يخرجوا عن ربقة التقليد في هذا العلم، كيف ذلك؟
Sayfa 14
أنت إذا أردت أن تجمع حديث بطرقه يمكن يجتمع لك من الرجال في هذا الحديث في مجموع طرقه أكثر من مائة رجل، مائة رجل في كل راو ثلاثة أقوال خمسة عشرة، وصل بعضهم إلى عشرين، كم عندك من قول لأهل العلم في حديث واحد، في رواة هذا الحديث، قد تتداخل بعض الطرق مع بعض، لكن افرض أن عندك كم؟ كم هائل، ألف قول لرجال طرق هذا الحديث، تحتاج إلى عمر، فأنت إن اتجهت إلى هذا وعنيت بالرواية لا شك أنه على حساب الدراية، وهذا ظاهر في صنيع من؟ الألباني -رحمه الله تعالى-.
وإن اتجهت إلى الدراية مع العناية بالاعتماد على الكتاب والسنة لا شك أنه على حساب الرواية، وهذا ما يصنعه الشيخ عبد العزيز -رحمه الله-، يكفيه أن يثبت الخبر، أو يثبته أحد الأئمة، وهما –أعني الشيخ عبد العزيز والشيخ الألباني -رحمة الله على الجميع- يعتمدان اعتمادا أغلبيا على التقريب ، وهذا تقليد ما خرجنا من التقليد؛ لأن التقريب يحكي وجهة نظر ابن حجر -رحمه الله-، تجد هناك التقريب التقريب، وهو عمدة كثير من أهل العلم، لكن نضرب مثال بهذين الإمامين لأنهما بلغا الغاية في نظرنا، وأفنيا العمر الطويل في خدمة هذا العلم، فإذا أردنا أن نقلد ابن حجر في الحكم على الرجال -ولا مفر من التقليد- رأينا أن ابن حجر أيضا وقعت له أوهام في التقريب، له أوهام في التقريب، ليس بمعصوم.
Sayfa 15
على كل حال على الإنسان أن يسلك الجادة ويتمرن والعلم يجتمع شيئا فشيئا، وإذا علم الله -سبحانه وتعالى- صدق النية أعان، وإذا كان الإنسان ممن أوتي الحافظة مع الفهم وأخلص وصدق النية مع الله -سبحانه وتعالى-، وسلك الطريق المتبع عند أهل العلم فإنه يرجى له أن يحتاج إليه في يوم من الأيام، أما إذا كان يتخبط يوم كذا ويوم كذا ويوم كذا، فهذا في الغالب وإن أوتي ذكاء أو أوتي حفظا فإنه في الغالب يضيع وقته متردد متحير، ولا نسيء الظن بالإخوة الذين يدعون إلى تقليد الأئمة، نقول: الأئمة هم الأصل، لكن الطالب المبتدئ كيف يخاطب بأن يبدأ شرح علل الترمذي؟ والعلل أغمض أنواع علوم الحديث، كيف يشرح لطلاب مبتدئين الإلزامات والتتبع للدارقطني؟ لا يا أخي، مرن الطلاب على صغار العلم قبل كباره لتكون ربانيا، والرباني كما قال ابن عباس: "من يعلم الناس صغار العلم قبل كباره"، يعني لو أن شخص سمع كلام الحافظ ابن كثير بعلل الدارقطني، وقال: "ما دام هذا الكتاب العظيم بهذه المثابة لماذا لا أعتني بهذا الكتاب؟ " وهو مبتدئ، نقول: لا تلبث أن تنقطع، أولا: لن تفهم، الأمر الثاني: تبي تنقطع ولا بد، لو سمع آخر ثناء ابن القيم على درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام.
واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ... ما في الوجود له نظير ثان
يقول: هذا الكتاب ما دام ما في الوجود له نظير ثان لماذا لا أعتني به؟ والله لن يستمر في قراءة هذا الكتاب، وإذا كان من شهد له بالتقدم في هذا العلم، وبخبرة تامة بكلام شيخ الإسلام يطوي عشرات الصفحات لا يفهمها من هذا الكتاب فيكف بالطالب المبتدئ؟ وهذا مثال نضربه في كل العلوم يمشي الطالب متدرج الأصغر ثم الأكبر وهكذا، نعم بهذه الطريقة يستطيع الطالب التحصيل.
كتاب: (المنهج المقترح لفهم المصطلح) للعوني:
Sayfa 16
من هذه الكتب التي ظهرت في الأخير تنادي بالتقليل من شأن كتب علوم الحديث كتاب ألفه الشريف حاتم بن عارف العوني سماه: (المنهج المقترح لفهم المصطلح - دراسة تاريخية تأصيلية لمصطلح الحديث) والكتاب حقيقة يدل على حرص من الرجل، وهو معروف بذلك ومن خيار طلاب العلم فيما نحسبه، وعلى دقة فهم وسبر واستقراء، لكن هو مثل ما ذكرت لكم مثل هذه الدعوة لا توجه إلى مبتدئين.
انتقد المؤلف فيه بعض المصطلحات التي شاع استعمالها عند المتأخرين كالمتواتر والآحاد، وغيرهما وشدد في هذه المسألة، وهي مجرد اصطلاح، والخلاف فيها لفظي، ولا مشاحة في الاصطلاح، إذ لا نزاع بين أحد من أهل العلم بل ومن العامة أن الأخبار متفاوتة، الخبر الذي يأتيك من قبل ثلاثة ما هو مثل الخبر الذي يأتيك من قبل واحد، الخبر الذي تسمعه من مائة ما هو مثل الخبر الذي تسمعه من عشرة، الأخبار متفاوتة.
كون أهل العلم اصطلحوا على أن الخبر الذي يأتي بطرق كثيرة جدا يسمونه متواتر، والتي أقل منها آحاد هذا مجرد اصطلاح، وهم يقررون ألا مشاحة في الاصطلاح، يعني التسميات وجدت في العلوم كلها.
Sayfa 17
نأتي إلى النحو، هل يوجد من العرب من قال: إن هذا فاعل وهذا مفعول؟ نعم، ما في من قال: هذا حال وهذا تمييز؟ ما في أحد قال هذا، لكنهم .. ، لكن العلماء الذين صنفوا في النحو فهموا من هذا اللفظ أنه يبين هيئة الفاعل فسموه حال، وأنه وقع منه الفعل فسموه فاعل، الأول سموه حال والثاني سموه فاعل، الثاني وقع عليه الفعل فسموه مفعول وهكذا، فهذه اصطلاحات، وأهل العلم يقررون ألا مشاحة في الاصطلاح، لا مشاحة في الاصطلاح، اللهم إلا إذا تضمن الاصطلاح مخالفة لما تقرر في أي علم من العلوم بحيث يحصل فيه الإيهام والتلبيس مثل هذا يمنع ويشاحح صاحبه، لو قال: أنا باصطلح لنفسي أن أسمي الشمال جنوب والجنوب شمال، نقول: لا، لا يا أخي ما يصلح، يشاحح في اصطلاحه، نسمي المشرق مغرب والمغرب مشرق، نقول: لا، كيف تصنع بحديث: ((بين المشرق والمغرب قبلة))؟ لو قال: أنا باصطلح لنفسي أألف في الجغرافيا وأقول: السماء تحت والأرض فوق، نقول: لا، لكن لو قال: أنا لا أغير من الواقع شيء الشمال شمال والجنوب جنوب، الشرق شرق والغرب غرب، لكن إذا رسمت الخارطة بدل الناس ما يحطون الشمال فوق بالخارطة أنا با قلبها، هذا ما يغير من الواقع شيء، نقول: اقلبها خلي الجنوب فوق ما يضر، لو قال: أنا أسمي جد الأولاد أبو الزوجة عم، نقول: سمه عم ما يخالف؛ لأنه ما يترتب عليه شيء، لو قال: أسميه خال، قلنا له: كذلك سميه ما شئت؛ لأنه ما يترتب عليه تغيير حكم، لكن لو قال: أنا با ألف في الفرائض وبا أسمي أخ الأب خال وأخ الأم عم، قلنا: لا، قف، يشاحح في اصطلاحه؛ لأن هذا يغير الأحكام.
ولذا لما البغوي -رحمه الله- اصطلح في كتابه: (المصابيح)، وقسم أحاديثه إلى قسمين: الصحاح والحسان.
والبغوي إذ قسم المصابحا ... إلى الصحاح والحسان جانحا
أن الحسان ما رووه في السنن ... رد عليه إذا بها غير الحسن
يرد عليه، يشاحح؛ لأن السنن ما هي بكل أحاديث حسان فيها صحاح وفيها ضعاف، فيرد مثل هذا الاصطلاح.
Sayfa 18
تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد إيش المحظور منه؟ المحظور شيء واحد وهو أن خبر الواحد عند المبتدعة لا يثبت به عقائد، فنفي كثير من مسائل الاعتقاد بهذه الحجة أنه خبر واحد وخبر الواحد .. ، نقول: لا، خبر الواحد تثبت به الحجة، ويقبل في العقائد والأحكام وغيرها، وهو خبر آحاد، نسميه آحاد ولا نلتزم باللازم الباطل.
شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- وهو من أئمة أهل السنة، ومن أشد الناس على البدع والمبتدعة، يقسم الأخبار إلى متواتر وآحاد، ويمثل بالأمثلة نفسها التي يمثل بها أهل العلم، مثل للمتواتر بحديث: ((من كذب)) ويمثل به أهل العلم متواتر لفظي.
ومثل للمتواتر المعنوي بفضائل أبي بكر وعمر، قال: متواترة تواتر معنوي، بدل من أن يمثل بأحاديث الحوض والشفاعة والمسح على الخفين مثل بمثال يناسب الكتاب الذي يتحدث فيه، مثل بفضائل أبي بكر وعمر، قال: متواترة تواتر معنوي، إذا شيخ الإسلام يقسم الأخبار إلى متواتر وآحاد، ويمثل بأمثلة يمثل بها أهل العلم، لا نختلف مع شيخ الإسلام أن فضائل أبي بكر وعمر متواترة تواتر معنوي، يعني مفرداتها آحاد، لكن بمجموعها متواترة تواتر معنوي.
فلا محظور من أن نقسم الأخبار إلى متواتر وآحاد، وسيأتي مزيد بسط لذلك عند الكلام على المتواتر والآحاد -إن شاء الله تعالى-.
أقول: أكثر ما يخاف من استعمال بعض المصطلحات الالتزام بلوازمها الباطلة عند المخالفين من المتكلمين كقولهم: إن الآحاد لا يفيد إلا الظن، والعقائد لا تثبت بالآحاد تعبا لذلك، وسيأتي ما يفيده خبر الواحد -إن شاء الله تعالى-، وأنه إذا تجرد عن القرائن لا يفيد إلا الظن، ومع كونه لا يفيد إلا الظن يجب العمل به، وتثبت به العقائد، وتثبت به الأحكام والفضائل وغيرها من فروع الشرع.
Sayfa 19