288

Nehcü'l-Belağa Şerhi

شرح نهج البلاغة

Soruşturmacı

محمد عبد الكريم النمري

Yayıncı

دار الكتب العلمية

Baskı

الأولى

Yayın Yılı

1418 AH

Yayın Yeri

بيروت

وكذلك تقديم قسم الكذب على قسم الصدق ، كأنه رشاهم ذلك ، وجعله برطيلا لهم ، ليطمئنوا إلى نصحه .

ومن ذلك قول إبراهيم على ما حكاه تعالى عنه في قوله : ' إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ، يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا ، يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ' ، فطلب منه في مبدأ الأمر السبب في عبادته الصنم والعلة لذلك ، ونبهه على أن عبادة ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنه شيئا قبيحة ، ثم لم يقل له : إني قد تبخرت في العلوم ، بل قال له : قد حصل عندي نوع من العلم لم يحصل عندك . وهذا باب الأدب في الخطاب ، ثم نبهه على أن الشيطان عاص لله ، فلا يجوز اتباعه ، ثم خوفه من عذاب الله إن اتبع الشيطان ، وخاطبه في جميع ذلك بقوله : ' يا أبت ' ؛ استعطافا واستدراجا ، كقول علي عليه السلام : يقول لك ابن خالك ، فلم يجبه أبوه إلى ما أراد ، ولا قال له : يا بني ، بل قال : ' أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ' ، فخاطبه بالاسم ، وأتاه بهمزة الاستفهام المتضمنة للإنكار ، ثم توعده فقال : ' لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ' .

قالوا : ومن هذا الباب ما روي أن الحسين بن علي عليه السلام كلم معاوية في أمر ابنه يزيد ، ونهاه عن أن يعهد إليه ، فأبى عليه معاوية حتى أغضب كل واحد منهما صاحبه ، فقال الحسين عليه السلام في غضون كلامه : أبي خير من أبيه وأمي خير من أمه ، فقال معاوية : يابن أخي ، أما أمك فخير من أمه ، وكيف تقاس امرأة من كلب بابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ! وأما أبوه فحاكم أباك إلى الله تعالى ، فحكم لأبيه على أبيك .

قالوا : وهذا باب الاستدراج اللطيف ، لأن معاوية علم أنه إن أجابه بجواب يتضمن الدعوى لكونه خيرا من علي عليه السلام لم يلتفت أحد إليه ، ولم يكن له كلام يتعلق به ، لأن آثار علي عليه السلام في الإسلام ، وشرفه وفضيلته تجل أن يقاس بها أحد ، فعدل عن ذكر ذلك إلى التعلق بما تعلق به ، فكان الفلج له .

ذكر هذا الخبر نصر الله بن الأثير في كتابه المسمى بالمثل السائر ، في باب الاستدراج .

وعندي أن هذا خارج عن باب الاستدراج ، وأنه من باب الجوابات الإقناعية التي تسميها الحكماء الجدليات والخطابيات ، وهي أجوبة إذا بحث عنها لم يكن وراءها تحقيق ، وكانت ببادئ النظر مسكتة للخصم ، صالحة لمصادمته في مقام المجادلة .

Sayfa 102