Nehcü'l-Belağa Şerhi
شرح نهج البلاغة
Soruşturmacı
محمد عبد الكريم النمري
Yayıncı
دار الكتب العلمية
Baskı
الأولى
Yayın Yılı
1418 AH
Yayın Yeri
بيروت
واعلم أن التحريض على الجهاد والحض عليه قد قال فيه الناس فأكثروا ، وكلهم أخذوا من كلام أمير المؤمنين عليه السلام ، فمن جيد ذلك ما قاله ابن نباتة الخطيب : أيها الناس ، إلى كم تسمعون الذكر فلا تعون ، وإلى كم تقرعون بالزجر فلا تقلعون ! كأن أسماعكم تمج ودائع الوعظ ، وكأن قلوبكم بها استكبار عن الحفظ ، وعدوكم يعمل في دياركم عمله ، ويبلغ بتخلفكم عن جهاده أمله ، وصرخ بهم الشيطان إلى باطله فأجابوه ، وندبكم الرحمن إلى حقه فخالفتموه ، وهذه البهائم تناضل عن ذمارها ، وهذه الطير تموت حمية دون أوكارها ، بلا كتاب أنزل عليها ، ولا رسول أرسل إليها . وأنتم أهل العقول والأفهام ، وأهل الشرائع والحكام ، تندون من عدوكم نديد الإبل ، وتدرعون له مدارع العجز والفشل ، وأنتم والله أولى بالغزو إليهم ، وأحرى بالمغار عليهم ، لأنكم أمناء الله على كتابه ، والمصدقون بعقابه وثوابه ، خصكم الله بالنجدة والباس ، وجعلكم خير أمة أخرجت للناس ؛ فأين حمية الإيمان ؟ وأين بصيرة الإيقان ؟ واين الإشفاق من لهب النيران ؟ وأين الثقة بضمان الرحمن ؟ فقد قال الله عز وجل في القرآن : ' بلى إن تصبروا وتتقوا ' ؛ فاشترط عليكم التقوى والصبر ، وضمن لكم المعونة والنصر ؛ أفتتهمونه في ضمانه ! أم تشكون في عدله وإحسانه ! فسابقوا رحمكم الله إلى الجهاد بقلوب نقية ، ونفوس أبية وأعمال رضية ، ووجوه مضية ، وخذوا بعزائم التشمير واكشفوا عن رؤوسكم عار التقصير ، وهبوا نفوسكم لمن هو أملك بها منكم ، ولا تركنوا إلى الجزع فإنه لا يدفع الموت عنكم ، ' ولا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ' .
فالجهاد الجهاد أيها الموقنون ، والظفر الظفر أيها الصابرون ! والجنة الجنة أيها الراغبون ! والنار والنار أيها الراهبون ! فإن الجهاد أثبت قواعد الإيمان ، وأوسع أبواب الرضوان ، وأرفع درجات الجنان ، وإن من ناصح الله لبين منزلتين مرغوب فيهما ، مجمع على تفضيلهما : إما السعادة بالظفر في العاجل ، وإما الفوز بالشهادة في الآجل ؛ وأكره المنزلتين إليكم أعظمهما نعمة عليكم ، فانصروا الله فإن نصره حرز من الهلكات حريز ، ' ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ' .
هذا آخر خطبة ابن نباتة ، فانظر إليها وإلى خطبته عليه السلام بعين الإنصاف ، تجدها بالنسبة إليها كمخنث بالنسبة إلى فحل ، أو كسيف من رصاص بالإضافة إلى سيف من حديد . وانظر ما عليها من أثر التوليد وشين التكلف وفجاجة كثير من الألفاظ ؛ ألا ترى إلى فجاجة قوله : كأن أسماعكم تمج ودائع الوعظ ، وكأن قلوبكم بها استكبار عن الحفظ ! وكذلك ليس يخفى نزول قوله : تندون من عدوكم نديد الإبل ، وتدرعون له مدارع العجز والفشل .
Sayfa 49