وبفضل جهده الكبير في تحصيل العلم أصبح الزمخشريّ متقنًا للغة الفارسيّة، عالمًا في اللغة، والنحو، والعروض، والأدب، والبلاغة، والتفسير، والقراءات، والحديث، والفقه، وعلم الكلام، والمنطق.
وكان الزمخشريّ شاعرًا له ديوان، ومن مليح شعره قوله [من الطويل]:
أقولُ لِظَبْيٍ مَرّ بي وَهْو راتِعٌ ... أَأَنْتَ أخو ليلى؟ فقال: يُقالُ
فقلتُ: وفي حكمِ الصبابةِ والهوى ... يقال: أخو ليلى؟ فقال: يُقالُ
فقُلتُ: وفي ظِلِّ الأراكةِ والحمى ... يقال: ويُسْتَسْقى؟ فقال: يقالُ (١)
وقد افتخر بعلومه، فقال [من الطويل]:
ترانيَ في عِلْمِ المُنَزَّلِ عالمًا ... وما أنا في علم الأحاديثِ راسفا
فللسنةِ البيضاءِ فيَّ مناجحٌ ... ويبغي كتاب الله منّي المعارفا
وما أنا من علم الدياناتِ عاطلًا ... فأحْسَنُ حَلْي لم يزلْ لي شانفا
وما للغاتِ العربِ مثْلي مُقَوِّم ... أبى كلُّ ندبٍ متقن أن يخالفا
وبي يستفيد النحو من أن يسوسه ... نُهّى لم يجدْها الذائقون حصائفا
وعلما المعاني والبيانِ كِلاهما ... أزفُّ إلى الخطاب منه وصايفا
وعلم القوافي والأعاريضِ شاهِدُ ... بِفُسْحَةِ خطوي فيه إذ كنتُ زاحفا
أقَرّتْ بيَ الآدابُ أصلًا لها ومَن ... رأى مشرفيّاتٍ جَحَدْنَ المشارفا
وديوانُ منظومي يُريك بدائعًا ... وديوانُ مَنْثوري يُريك طرائفا (٢)
وكان الزمخشريّ على مذهب المعتزلة مجاهرًا به حنفيًّا (٣) "حتى نقل عنه أنه كان إذا قصد صاحبًا له، واستأذن عليه في الدخول، يقول لمن يأخذ له الإذن: قلْ له: أبو القاسم المعتزليّ بالباب. وأوّل ما صنَّف كتاب "الكشّاف" كتب استفتاح الخطبة: "الحمد لله الذي خلق القرآن"، فيقال: إنّه قيل له: متى تركته على هذه الهيئة، هجره الناس، ولا يرغب أحد فيه، فغيَّره بقوله: "الحمد لله الذي جعل القرآن"، و"جعل" عندهم [أي: عند المعتزلة، بمعنى "خلق" (٤).
_________
(١) شذرات الذهب ٤/ ١٢١.
(٢) ديوانه ص ٧٨ (عن الزمخشريّ ص ٦٦).
(٣) معجم الأدباء ١٩/ ١٢٦؛ ووفيات الأعيان ٥/ ١٧٠؛ وبغية الوعاة ٢/ ١٧٩؛ وشذرات الذهب ٤/ ١١٩.
(٤) وفيات الأعيان ٥/ ١٧٠؛ وانظر: شذرات الذهب ٤/ ١٢٠؛ وتاريخ الإِسلام (وفيات ٥٢١ - ٥٤٠) ص ٤٩٠ (وفيه أنه كان داعية إلى الاعتزال والبدعة).
1 / 10