نشأ الزمخشريّ بزمخشر، ودرس بها، ثمّ رحل إلى بخارى لطلب العلم (١)، ثم إلى خراسان حيث اتصل ببعض رجال الدولة السلجوقيّة ومدحهم (٢)، ثمّ إلى أصفهان حيث مدح ملكها محمَّد بن أبي الفتح ملكشاه (٣)، ثمّ إلى بغداد حيث ناظر بها وسمع من علمائها (٤)، فإلى مكة حيث اتصل بأميرها أبي الحسن علي بن حمزة بن وهّاس الشريف الحسنيّ، وكان ذا فضل غزير، وله تصانيف مفيدة وقريحة في النظم والنثر مجيدة (٥)، فتبادلا المديح شعرًا (٦).
وفي أيام مقامه بالحجاز زار همدان، ومدح آل زرير (٧)، ثم طوَّف في بلاد العرب، وزار تربة، وهي وادٍ على مسيرة أربع ليالي من الطائف، يقول: "وطئتُ كلّ تربة في أرض العرب، فوجدت تربة أطيب الترب" (٨).
وبعد إقامته مدة بمكة، شاقه وطنه، فعاد إليه، لكنّه سرعان ما حنّ إلى مكة، فعاد إليها، فقيل له: "قد زجَّيتَ أكثر عمرك هناك، فما الموجب"؟ فقال: "القلب الذي لا أجده ثَمَّ أجده ها هنا" (٩). وفي أثناء عودته إلى مكة عرّج على الشام، ومدح تاج الملوك بوري طفتكين، صاحب دمشق (١٠).
وفي مكة لقي من ابن وهّاس ما كان يلقاه من قبل من حفاوة وتعظيم، وكان ابن وهّاس يوافقه في مذهبه، فشجعه على تأليف كتابه "الكشاف" (١١).
وبعد مكّة عاد إلى وطنه ثانية، معرجًا على بغداد سنة ٥٣٣ هـ (١٢)، وبقي في خوارزم إلى أن أتته المنيّة ليلة عرفة سنة ٥٣٨ هـ/ ١١٣٤م بجرجانيّة، وهي قصبة خوارزم على شاطئ نهر جيحون (١٣). وقد رثاه بعضهم بأبيات، من جملتها [من البسيط]:
فأرضُ مكَّةَ تذري الدمعَ مقلتُها ... حزنًا لفرقةِ جار الله محمودِ (١٤)
وروي أنّه أوصى أن تُكتب على قبره الأبيات التالية [من الكامل]:
يا مَنْ يرى مَدَّ البعوضِ جناحَها ... في ظلمةِ الليلِ البهيمِ الأليلِ
_________
(١) إنباه الرواة ٣/ ٣٦٨.
(٢) الزمخشري ص ٣٨ - ٤٠.
(٣) المرجع نفسه ص ٤٠ - ٤١.
(٤) المرجع نفسه ص ٤٢.
(٥) معجم الأدباء ١٤/ ٨٦.
(٦) الزمخشري ص ٤٣.
(٧) المرجع نفسه ص ٤٣ - ٤٥.
(٨) أساس البلاغة (ترب).
(٩) إنباه الرواة ٣/ ٢٢٦.
(١٠) الزمخشري ص ٤٥.
(١١) انظر مقدمة الكشاف.
(١٢) الزمخشري ص ٤٦.
(١٣) وفيات الأعيان ٥/ ١٧٣ - ١٧٤؛ وبغية الوعاة ٢/ ٢٨٠؛ ومعجم الأدباء ١٩/ ١٢٩؛ وشذرات الذهب ٤/ ١٢١.
(١٤) وفيات الأعيان ٥/ ١٧٣.
1 / 7