عُوجا على الطلل المحيل لأننا ... نبكي الديار كما بكى ابن خِذامِ
ولا نعرف من أمر ابن خِذام هذا شيئًا سوى تلك الإشارة التي قد تدل على أنه أول من بكى الديار ووقف في الأطلال.
وتتراءى لنا مطولات الشعر الجاهلي في نظام معين من المعاني والموضوعات، إذ نرى أصحابها يفتتحونها غالبًا بوصف الأطلال وبكاء آثار الديار، ثم يصفون رحلاتهم في الصحراء، وما يركبونه من إبل وخيل، وكثيرًا ما يشبهون الناقة في سرعتها ببعض الحيوانات الوحشية، ويمضون في تصويرها، ثم يخرجون إلى الغرض من قصيدتهم مديحًا أو هجاء أوفخرًا أو عتابًا أو رثاء. وللقصيدة مهما طالت تقليد ثابت في أوزانها وقوافيها، فهي تتألف من وحدات موسيقية يسمونها الأبيات، وتتحد جميع الأبيات في وزنها وقافيتها، وما تنتهي به من رَوِي.
وتلقانا هذه الصورة التامة الناضجة للقصيدة الجاهلية منذ أقدم نصوصها، وحقًّا توجد قصائد يضطرب فيها العروض ولكنها قليلة، من ذلك قصيدة عبيد بن الأبرص الأسدي١:
أقفَر من أهله ملحوبُ ... فالقُطَبِيَّات فالذَّنوبُ
فهي من مخلع البسيط. وقلما يخلو بيت منها من حذف في بعض تفاعيله أو زيادة على نحو ما ترى في الشطر الأول من هذا المطلع، وعلى غرارها قصيدة تنسب لامرئ القيس مطلعها٢:
عيناك دمعهما سجال ... كأن شأنيهما أوشال
ومثلهما في هذا الاضطراب قصيدة الْمُرَقِّش الأكبر٣:
هل بالديار أن تجيب صممْ ... لو كان رَمْمٌ ناطقًا كلَّم
_________
١ انظر القصيدة في المعلقات العشر وفي ديوان عبيد. وملحوب والقطبيات والذنوب: أسماء مواضع.
٢ الديوان ص: ١٨٩ سجال: جمع سجل أي: صب بعد صب. شأنيهما: مثنى شأن وهو مجرى الدمع. أوشال: جمع وشل وهو الماء القليل.
٣ المفضليات "طبع دار المعارف" ص: ١٣٧.
1 / 6