وللمتأخرين شعر كثير في تفضيلهم أنفسهم على المتقدمين؛ من أحسنه قول المعريّ: [الخفيف]
وإنّي وإن كنت الأخير زمانه ... لات بما لم تستطعه الأوائل
وقال ابن عمار: [الطويل]
أنا ابن عمار لا أخفى على أحد ... إلا على جاهل بالشمس والقمر
إن كان أخّرني دهري فلا عجب ... فوائد الكتب يستلحقن في الطّرر
والذي ذكر أبو العباس في الكامل هو الحق، قال: وليس لقدم العهد يفضل القائل، ولا لحداثة العهد يهضم المصيب، ولكن يعطى كلّ ما يستحقّ
[الحمام]
وأمّا بيت عديّ في الحمام فالحمام قد ذكر العرب لها في أشعارها، ونلمّ هنا بفصل منها؛ يروى عن علي ﵁ أنه اشتكى إلى رسول الله ﷺ الوحشة فقال له: «اتّخذ حمامة تؤنسك وتصيب من فراخها وتوقظك للصلاة بتغريدها» (١).
ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: «اتخذوا الحمام فإنها تلهي الجن عن صبيانكم» (٢).
وروى جابر ﵁ أنه ﷺ كان يعجبه النظر إلى الحمام الأحمر وإلى الأترجّ.
وكان إبراهيم بن سيّار يعجب بالحمام، وكان إذا ذكرها يقول: إن الله جمع فيها حسن المنظر، وكريم المخبر؛ تكفيك مئونتها، وتكثر لديك معونتها؛ فهي للطارق عدّة وللمستوطن لذة، تطعم في الصحراء، وتعود عليك بالسراء ويأنس الوحيد بحركاتها، وتغنيه عن الأوتار بنغماتها؛ وغيرها من الطير يستعجم وهي ناطقة، وينفر عنك وهي داجنة، وفي طباعها سكون إلى الناس واستئناس بهم، وهي طير عفيف، يبقي الذكر بعد الأنثى مفردا، والأنثى مثل ذلك، مع شدة اتفاقهما على المحبة، إن طارا طارا معا، وإن وقعا وقعا معا، لها سرعة طيران لا تكاد تصيدها سباع الطير إلا بحيلة.
ولم تزل العرب تستحسن تسجيع الحمام وتغريد البلبل والورشان، وقد ذكرت العرب من رقة تسجيعه ما يبعث التذكر، ويولد الشجون، ويهيج الأسى، ويجدد رقة القلب؛ حتى يجعل البكاء فرضا معها، والتصابي لازما لأجلها وأعراب وادي القرى إذا ظفروا بشراب الطائف، أتوا حوائط النخل عند استعلاء الظهيرة، إذا صارت الوراشين
_________
(١) لم أجد الحديث بهذا اللفظ ولا المعنى في كتب الصحاح.
(٢) أخرجه الطبراني في الجامع الصغير ١/ ٩، بلفظ: «اتخذوا هذه الحمام المقاصيص».
1 / 29