Sharh Luma'at al-I'tiqad - Yusuf al-Ghafis
شرح لمعة الاعتقاد - يوسف الغفيص
Türler
التسلسل التاريخي لحصول النزاع في مسائل أصول الدين بين المسلمين
جاء النبي ﷺ بتقرير مسائل أصول الدين، وذكر مسائل الفروع، وأحكم الشريعة ﵊ وأكملها، وذهب وتوفي على هذا التمام والكمال الذي قال الله فيه: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة:٣]، ومضى الناس على هذا في خلافة الصديق ﵁، ثم جاءت خلافة عمر على مثل ذلك، ثم في آخرها ظهرت مقدمات الفتنة، وهي مقتله ﵁، فإن حذيفة ﵁ لما ذكر الفتنة الكبرى لـ عمر ﵁ -كما في الصحيح- قال: (إن بينك وبينها بابًا مغلقًا) ولما سأله عمر: (أيفتح الباب أم يكسر؟ قال حذيفة: بل يكسر)، وكان كسره هو مقتل أمير المؤمنين عمر ﵁.
ثم لما كانت خلافة عثمان ﵁ فكثر الشر والفتنة من مسلمة الفتوح، من أهل العراق وغيرهم.
ثم جاءت خلافة أمير المؤمنين علي ﵁ فزادت الفتنة، وحصل ما حصل مما هو معروف، وكان أول نزاع بين المسلمين في مسائل أصول الدين هو في مسألة الإيمان: ما هو الإيمان؟ ومتى يكون الرجل مؤمنًا؟ ومتى يكون مسلمًا؟ ومتى يكون كافرًا؟
وأول من أظهر المخالفة والخروج عن السنة والجماعة هم الخوارج، وقد حدَّث النبي ﵌ أصحابه بشأنهم، قال الإمام أحمد ﵀: «صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه».
وحديثهم متواتر، فقد روى مسلم في صحيحه عشرة أوجه من حديث الخوارج، وأخرج البخاري طرفًا منها، وهو حديث متفق عليه بين أهل العلم بالحديث من حديث علي بن أبي طالب، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وجماعة من الصحابة، وذلك في قصة قسم النبي ﷺ لذهب من اليمن، فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: (اعدل يا محمد! فإنك لم تعدل! فقام خالد بن الوليد -وفي رواية في الصحيح: عمر بن الخطاب - وقال: دعني أضرب عنقه، قال النبي ﷺ: لعله أن يكون يصلي، قال: وكم من مصلِّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه! قال ﵊: إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم، ثم نظر إليه وهو مقفٍ، فقال: إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وقراءتكم مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)، وفي رواية: (قتل ثمود)، وفي رواية: (قاتلوهم فإن لمن قاتلهم أجرًا عند الله)، وفي رواية: (لو يعلم المقاتل لهم ما أعد له من الأجر، لنكل عن العمل).
وخرج هؤلاء في خلافة علي بن أبي طالب، وقالوا: إن مرتكب الكبيرة من المسلمين كافر مخلد في النار.
ثم قارب الخوارج المعتزلة بعد ذلك، ثم ظهر ما يقابلهم، وهم طوائف المرجئة، الذين صاروا على النقيض من مذهب الخوارج والمعتزلة.
والمرجئة طوائف، وقد ذكر الأشعري في مقالاته أنهم ثنتا عشرة طائفة، أشدهم إرجاءً جهم بن صفوان، وأبو الحسين الصالحي، وأخفهم إرجاءً مرجئة الفقهاء؛ أتباع حماد بن أبي سليمان الإمام السلفي الفقيه المعروف، لكنه زلَّ ﵀ وغلط في مسألة الإيمان، وإلا فهو من أئمة السنة والجماعة، وغلطه -كما قال شيخ الإسلام - من بدع الأقوال وليس من بدع العقائد، وتابعه على غلطه أبو حنيفة، وعلى هذا اشتهر قول مرجئة الفقهاء بتقلد أبي حنيفة له، فشاع في أتباعه من الحنفية.
ولما مضت خلافة الخلفاء الأربعة الراشدين، وجاءت إمارة بني أمية، ظهرت بعض الفرق؛ ففي الفتنة التي كانت بين ابن الزبير وبني أمية -أثناء خلافة يزيد بن معاوية وبعدها- خرجت القدرية في العراق، وهم قوم يقولون: لا قدر، والأمر أنف، وجملة مذهب هؤلاء: أنهم ينكرون خلق أفعال العباد، وغلاتهم ينكرون علم الرب بها قبل وقوعها من العباد.
وهؤلاء القدرية الغلاة المنكرون لعلم الرب هم قوم من الزنادقة من أهل فارس، وإنما أظهروا الإسلام نفاقًا، وليسوا من المسلمين في شيء، وقد أجمعت المعتزلة القدرية -لا نقول أهل السنة- على تكفير هؤلاء الغلاة، فضلًا عن إجماع جملة طوائف المسلمين.
وأما غير الغلاة من القدرية فإنهم أهل بدعة، وقولهم كفر، وإن كانوا ليسوا كفارًا، قال شيخ الإسلام ﵀: (وهذا النوع من القدرية ما علمت أحدًا من السلف نطق بتكفيرهم).
فالمقصود: أن الأصل الثاني الذي حصل فيه نزاع هو القدر، فظهرت القدرية، وقابلتهم الجبرية الذين يقولون بجبر العباد، وكان هذا في آخر عصر الصحابة، وبعد انقراض عصر الخلفاء الراشدين.
وأما المسائل الإلهية فإن عصر الصحابة انقرض ولم يحصل فيها نزاع بين أهل القبلة.
وفي المائة الثانية بعد عصر الصحابة؛ ظهر قوم ينتحلون علم الكلام، وهو علم مولَّد من فلسفة اليونان وغيرها من الفلسفات، وأظهروا تعطيل الصفات؛ كـ الجعد بن درهم والجهم بن صفوان وأمثالهمها.
فهؤلاء القوم ضلوا في هذا الباب ضلالًا مبينًا، ولهذا كان السلف ﵏ يرون أن قول الجهمية كفر، وقد أجمع السلف على جملة من أقوال الجهمية أنها كفر، وإن كانوا لا يلتزمون تكفير أعيانهم.
فلكون هذه المسألة هي أشرف المسائل التي حصل فيها النزاع؛ قصد المؤلف ﵀ إلى تعظيم شأنها، وذِكرها على التفصيل في مبدأ رسالته.
1 / 10