شرح كتاب الإيمان - يوسف الغفيص
شرح كتاب الإيمان - يوسف الغفيص
Türler
الدخول في الإيمان بالنطق بالشهادتين
هذا من شريف فقه المصنف ﵀؛ فإنه أبان أن النبي ﷺ أول ما بعث -وهذا مجمع عليه بين المسلمين- إنما بعث بالشهادتين، فمن قال الشهادتين فإنه يكون مؤمنًا، ولهذا لم يكن ﷺ يكتفي من أحد باعتبارها في قلبه، بل كان لا بد من التصريح بذكرها؛ ونتيجة هذا الاستدلال أن القول بالإيمان أصل فيه، ولهذا كان الشارع ﷺ يعتبر ثبوت الإسلام والإيمان بالنطق بها على يقين وتصديق في معناها.
وهذا يبين أيضًا: أن أصل الإيمان هو أصل الإسلام، ويبين أن أصل الإيمان هو تصديق القلب، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا الأمر.
[وليس الإيمان المفترض على العباد يومئذٍ سواها، فمن أجاب إليها كان مؤمنًا لا يلزمه اسم في الدين غيره، وليس يجب عليهم زكاة ولا صيام ولا غير ذلك من شرائع الدين، وإنما كان هذا التخفيف عن الناس يومئذٍ -فيما يرويه العلماء- رحمةً من الله لعباده ورفقًا بهم؛ لأنهم كانوا حديث عهد بجاهلية وجفائها، ولو حملهم الفرائض كلها معًا نفرت منه قلوبهم، وثقلت على أبدانهم؛ فجعل ذلك الإقرار بالألسن وحدها هو الإيمان المفترض على الناس يومئذٍ، فكانوا على ذلك إقامتهم بمكة كلها وبضعة عشر شهرًا بالمدينة وبعد الهجرة، فلما أثاب الناس إلى الإسلام وحسنت فيه رغبتهم زادهم الله في إيمانهم أن صرف الصلاة إلى الكعبة بعد أن كانت إلى بيت المقدس، فقال: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة:١٤٤] ثم خاطبهم وهم بالمدينة باسم الإيمان المتقدم لهم في كل ما أمرهم به أو نهاهم عنه، فقال في الأمر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ [الحج:٧٧] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة:٦] وقال في النهي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ [آل عمران:١٣٠] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة:٩٥]].
وجه هذا الاستدلال أن اقتران خطاب العمل بنداء الإيمان دليل على أن هذه الأعمال تدخل في مسمى الإيمان، وهذا معروف من جهة لسان العرب؛ فإن ما طلب فعله بنداء مختص بصفة داخل في الصفة التي وقع بها هذا الطلب أو لازم لها، ولهذا لزم من مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ [الحج:٧٧] أن يكون هذا الركوع لازمًا للإيمان أو داخلًا في مسماه.
3 / 3