131

Sharh Kitab Al-Fawaid

شرح كتاب الفوائد

Türler

منشأ الكبر والحسد والغضب والشهوة وعلاجها
قال المؤلف ﵀: [ومنشأ هذه الأربعة] أي: من أين أتت هذه الأربعة وما هو المنبع؟ قال: [من جهله بربه وجهله بنفسه.
فإنه لو عرف ربه بصفات الكمال ونعوت الجلال وعرف نفسه بالنقائص والآفات لم يتكبر]؛ فهذه صفة من صفات الله، فلا يحق للمخلوق أن يتمثل هذه الصفة.
قال: [فإنه إن عرف ربه بصفات الكمال لم يتكبر ولم يغضب لها، ولم يحسد أحدًا على ما آتاه الله، فإن الحسد في الحقيقة نوع من معاداة الله، فإنه يكره نعمة الله على عباده وقد أحبها الله].
وكأن هذا الحاسد يقول: يا رب! إنك لا تقسم بالعدل!! وقد يقول شخص: فلان هذا عورة، وفلانة هذه أنفها كبيرة وكأنه يريد أن يقول: يا رب! إنك لا تستطيع أن تخلق والعياذ بالله، فالمسلم يجب أن يعلم أن الحسد نوع من معاداة الله ﷿.
قال: [فإنه يكره نعمة الله على عبده، وقد أحبها الله ويحب هو زوالها عنه، والله يكره ذلك].
أي: أن الله يريد أن يتم نعمته على هذا المسلم، وأنت تريد أن تزول هذه النعمة.
إذًا: أنت تكره ما يحبه الله وتحب ما يكره الله.
يحكى أن امرأة كانت مسيحية متزوجة بمسلم، فطلقها المسلم وقد أنجبت له ولدًا، ثم تزوجت برجل مسيحي، فصمم المسيحي ألا ينجب منها حتى لا يكون ابنه أخًا لمسلم من أم.
فانظر إلى أي مدىً وصل هذا الحسد؟! وانظر إلى التفكير الخبيث الجهنمي، يخاف أن يكون المسلم أخًا لابنه.
قال: [والله يكره ذلك، فهو مضاد لله في قضائه وقدره ومحبته وكراهته، ولذلك كان إبليس عدوه حقيقة؛ لأن ذنبه كان عن كبر وحسد].
تكبر ولم يرض أن يسجد، وحسد آدم وقال: ﴿أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾ [الإسراء:٦١] أي: أأسجد لمن هو أقل مني؟ قال: [فقلع هاتين الصفتين بمعرفة الله وتوحيده، والرضا به وعنه والإنابة إليه، وقلع الغضب بمعرفة النفس وأنها لا تستحق أن يغضب لها وينتقم لها].
فالشخص الذي يعرف نفسه يقول: إن هذه النفس لا تستحق أن يغضب لها.
يحكى أن شخصًا من الصالحين كان يمشي، فرمى عليه مجموعة من الناس رمادًا حارًا، فنفض هكذا وتلثم، وقال: من استحق النار وصولح على الرماد فلابد أن يحمد الله على ذلك، أي: أن ابن آدم يستحق أن يحرق في النار، فلما أن أصيب بالرماد فقط، حمد الله على ذلك.
قال: [فإن ذلك إيثار لها بالرضا والغضب على خالقها وفاطرها، وأعظم ما تدفع به هذه الآفة أن يعودها أن تغضب لله وترضى لله].
عندما يسمع المسلم شخصًا يسب الدين فإنه يغضب لأنه يجد حرمة من حرمات الله تنتهك، ويغضب عندما يجد طالبة جامعية خارجة وهي تلبس البنطال، ويغضب عندما يرى شيئًا خطأً، ويغضب عندما يجد انحرافًا، ويغضب عندما يجد الناس يتعاملون بالربا، ويغضب عندما يجد الناس لا يتقون الله ﷿، فكل هذا غضب لله ﷿، فهذا الغضب لو تعودت عليه فإنه الغضب الذي يؤجر الإنسان عليه أجرًا عظيمًا.
قال: [فكلما دخل النفس شيء من الغضب والرضا له خرج منه مقابلها من الغضب والرضا لها].
يعني: كلما ملأ العبد نفسه بالرضا والغضب لله خرج منها الرضا والغضب للناس، وهكذا تستقيم الأمور.
قال: [أما الشهوة فدواؤها صحة العلم والمعرفة].
تنقهر الشهوات من كثرة العلم ومجالس العلم، فالعبد بالعلم يعود نفسه على الاستقامة والطاعة والتوكل، ويعود نفسه على الثقة واليقين بالله ﷾.
قال: [بأن إعطاءها شهواتها أعظم أسباب حرمانها إياها ومنعها منها، وحميتها أعظم أسباب اتصالها إليها، فكلما فتحت عليها باب الشهوات كنت ساعيًا في حرمانها إياها، وكلما أغلقت عنها ذلك الباب كنت ساعيًا في إيصالها إلى الله ﷿ على أكمل الوجوه].
إن الشهوات مع العبد كالشارب من البحر لا يزيده الشرب إلا عطشًا.
قال: [فالغضب مثل السبع، إذا أفلته صاحبه بدأ بأكله].
عندما يغضب الإنسان ولا يمسك غضبه تضيع روحه فيسيطر عليه الغضب ولا يستطيع أن يتحكم في نفسه.
قال: [والشهوة مثل النار، إذا أضرمها صاحبها بدأت بإحراقه، والكبر بمنزلة منازعة الملك ملكه، فإن لم يهلكك طردك عنه].
كأن يقول شخص لرئيس الوزراء أنت لست جديرًا بهذا المنصب، أنا أريد أن أكون مكانك، فإما أن يقتله حرسه، وإما أن يطرده، كذلك عندما تكون متكبرًا فإنك تنازع الله في ملكه، والعياذ بالله.
قال: [والحسد بمنزلة معاداة من هو أقدر منك، والذي يغلب شهوته وغضبه يفرق الشيطان من ظله، ومن تغلبه شهوته وغضبه يفرق من خياله].
إن عمر بن الخطاب ممن يغلب شهوته وغضبه فيفرق الشيطان من ظله، قال رسول الله ﷺ: (يا عمر! ما رآك الشيطان سالكًا طريقًا إلا وسلك طريقًا آخر)، فالشيطان إذا رأى عمر سلك طريقًا آخر؛ لأن عمر ﵁ قهر النفس، فقد كان عمر ﵁ يمشي فأخذ حزمة من حطب ووضعها على كتفه، فقال له ابنه: ما هذا يا أمير المؤمنين؟! قال: أرادت نفس أبيك أن تستشرف فأراد أبوك أن يذلها ويضعها لله.
يفعل ذلك حتى لا يدخل فيها العجب.

14 / 9