175

البحث الأول

في صلة هذا * الفصل (1097) بما قبله: وهو أن الإمام أبقراط لما تكلم في أحكام الفصول وتراكيبها ذكر في هذا الفصل شيئا من أحكام الأيام، فإنه قد علم أن الهواء الوقتي له تأثير في الأبدان على ما ذكرنا في شرح قوله: متى كان في يوم واحد مرة حر ومرة برد فتوقع حدوث أمراض خريفية.

البحث الثاني

في بيان كيفية إيجاب الشمال لشد الأبدان وقوتها: نقول: قد عرفت أن الشمال باردة يابسة، فلبردها ويبسها تجمع آلات الحركة بعضها إلى بعض وتلزرها، وعند ذلك تشدها. قال جالينوس: وأيضا فإنها PageVW5P154A بذلك تنقص رطوباتها الموجبة لها، وذلك موجب لشدها. وأما تقويتها للأبدان فلحصرها * الحرارة (1098) الغريزية في بواطن * الأبدان (1099) على ما * ذكرنا (1100) فيما تقدم فتقوى القوى فيها لأنه قد علم أن هذه الكيفية هي آلة * للقوى (1101) لا سيما الطبيعية في أفعالها. ولا شك أنه إذا قويت الآلة تمكن الفاعل من فعله. وقد أشار إلى قوة القوى النفسانية بقوله «ويجود حركتها ويصفي السمع منها» وإلى القوة الطبيعية بقوله «ويحسن ألوانها»، وقدم * ذكر (1102) النفسانية على الطبيعية لشرفها وترك ذكر الحيوانية، وذلك لما قلناه حيث * شرح (1103) قوله «صحة الذهن في كل مرض علامة جيدة» وهو أن في ضمن القوتين المذكورتين ذكر قوة الحيوانية، وذلك لأن القوة الحيوانية هي المعدة لقبولها وكيفيتها التي هي الحرارة الغريزية آلتيهما، ولما كان الحال كذلك استغنى بذكرهما عن ذكرها ولم يصرح * بها (1104) .

البحث الثالث

في تجويدها للحركات وتحسينها للألوان: أما الأول فلوجهين: أحدهما أنه قد علم أن الشمال ببردها ويبسها تصلب الآلات، وعند ذلك تقوى على التحريك؛ وثانيهما أن الآلات متى صار حالها كذلك تفتحت مسامها ومنافذها * لتوفر (1105) الحرارة في باطنها، وعند ذلك يسهل نفوذ القوة المحركة فيها من مبدئها بخلاف ما إذا كانت رطبة فإنها تكون منسدة منضغطة بعضها على * بعض (1106) فيتعذر * على (1107) القوة المذكورة النفوذ فيها. وأما تحسينها الألوان فذلك * لوجهين (1108) : أحدها لقوة الهضم بسبب قوة الحرارة الغريزية، ولا شك أن قوة الهضم يترتب عليها قلة الفضلات، وذلك مما يوجب حسن اللون لأنه عند ذلك يكون معظم ما يتولد من المواد الدم الذي هو الغاذي بالحقيقة وما عداه يكون قليل المقدار ومع قلة مقداره تكون القوى قاهرة له وقادرة على دفعه؛ وثانيهما أن الحرارة الغريزية لقوتها في الباطن تبخر أبخرة دزوية لأنه المتوفر في الباطن ولونه كلون ما انفصل منه فيرتفع إلى الظاهر ويصادف المسام منسدة بسبب برد الشمال ويبسها فيحمر اللون وتحسن * البشرة (1109) .

البحث الرابع

في كيفية إيجابه لباقي ما ذكره: أما تصفية السمع فلثلاثة أوجه: أحدها لقلة الرطوبة الموجبة كتكدير الذهن * والسمع (1110) ليبس الهواء؛ وثانيها لقوة الحرارة * الغريزية (1111) في الباطن فتحلل الأبخرة المذكورة للذهن والسمع؛ وثالثها لقوة القوة * التابعة (1112) لجودة الهضم فتدفع ما يوجب التكدير. وأما تجفيف البطن * فالمراد (1113) به البراز فلثلاثة أوجه: أحدها لقوة الحرارة في الباطن فتنشف مائية البراز وتجففه؛ وثانيها لجودة الهضم، ولا شك أنه متى كان كذلك نقصت فضلات البدن، وذلك مما يتبعه قلة البراز، والبراز متى كان قليلا لم تهتم الطبيعة بدفعه فيبقى محتبسا في المعاء وتعمل الحرارة فيه وتجففه؛ وثالثها أن الرياح المذكورة تكثف عضل المقعدة، وإذا تكاثف ذلك العضل احتبس البراز في المعاء وجف قوامه. وأما لذعه للعين فلأحد أمرين * وهو (1114) إما أن يقول: العين عضو حساس لطيف الجوهر ملاق لتأثير الهواء، والشمال باردة يابسة فتنكيه وتؤديه بذلك فيحدث فيها ما ذكره؛ وإما أن يقول إن الشمال لبردها ويبسها تكثف سطح العين وتحبس الفضلات التي من شأنها أن تتحلل منها فتلذعها وتؤذيها * وتنكيها (1115) ، وكذلك إيجاب الرياح المذكورة للإكال أي للحكاك. وأما تهييجه لوجع الصدر فلوجهين: أحدهما PageVW5P154B لبرد الشمال ويبسها فيرد على الرئة ويخشنها لذلك ويحدث فيها حالة غير طبيعية فيثير ما كان بها من الألأم السالفة؛ وثانيهما أن الصدر الغالب عليه العظام وهي باردة يابسة، والشمال PageVW1P089B كذلك فتؤذيها وتزيد في أنحرافها. فإن قيل إن حفظ الصحة بالشبيه فلم لا يقال إن الشمال تحفظ * صحة (1116) العظام ولا تيؤذيها؟، فنقول: معنى قولنا هذا بالغذاء لا بالدواء، والهوا جار مجرى الدواء لأنه يؤثر في البدن مع بقاء الصورة النوعية. فإن قيل: فلم لا قال هاهنا ويحدث وجعا في الصدر بل قال * وإن (1117) كان في نواحي * الصدر (1118) وجع هيجة وزاد فيه؟، فنقول: وذلك لأن السبب هاهنا * ضعيف (1119) لأنه يومي فلا يقوى على إحداث وجع لأن القلب قريب من الهواء الداخل إليه فيقوى عليه ويقهره ويسخنه فيدفع ضرره، * ولذلك (1120) لم * يجعله (1121) هاهنا موجبا للاقشعرار ولا لعسر البول لأن * هذه (1122) لا تكون إلا من سبب قوي أو دائم، والهواء اليومي لا يقوى على ذلك.

البحث الخامس

فيما يوجبه اليوم الجنوبي: * نقول (1123) : قد عرفت أن الجنوب مسخنة مرطبة فلذلك يوجب ما ذكره وهو إرخاء الأبدان. والمراد به الضعف، وذلك لتحليله القوى والحرارة الغريزية. وأما الإرخاء أي استرخاء الحركات فللحرارة فإنها تخلخل جوهر الشيء * ولرطوباتها (1124) تبل الآلات. وأما الترطيب فلرطوبة الجنوب. وأما ثقل الرأس فلكثرة ما يتصاعد إليه من الأبخرة لاجتماع * سببها (1125) هاهنا وهما الحرارة والرطوبة. وكذلك إيجابه لثقل السمع ولاسترخاء أعصاب السمع وانضغاط أجزائه بعضها ببعض، فإنه عند كونه كذلك يتعذر نفوذ القوة السامعة فيه. وأما السدر فتارة يفهم منه السدر المشهور وتارة يفهم منه غير المشهور وهو ظلمة تحدث في العين عند القيام. والحق هو المفهوم الثاني، وذلك لأن السبب هاهنا ضعيف لأنه يومي فلا يقوى على إيجاب ذلك، وسبب ذلك الأبخرة المتصاعدة إليه. وأما عسر الحركة فلاسترخاء العصب، فإن الحرارة مسيلة والرطوبة مرخية فتنضغط أجزاء الأعصاب بعضها على بعض فيتعذر عليه قبول القوة المحركة من المبدأ. وأيضا فإن المبدأ متكدر بسبب ما تصاعد إليه من الأبخرة. وأما لين البطن فلضعف القوة الماسكة لاستيلاء * الرطوبة (1126) ، فإنك قد عرفت أن الهضم موقوف على قوتين، الهاضمة * والماسكة (1127) .

Bilinmeyen sayfa