163

البحث الخامس

في ماهية الدق: الدق حرارة غريبة تحدث في * البدن (538) بواسطة حدوثها * للأعضاء (539) وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: مطلقة وذبولية ومقتتة. قال الأطباء: وذلك لأن رطوبات البدن التواني أربع وهي التي في أطراف العروق الصغار والتي في فرج الأعضاء والتي قد تشبهت بجواهر الأعضاء بعض * التشبيه (540) والتي بها اتصال الأعضاء وهي المنوية، فعند ما تفني الحرارة الغريبة الرطوبة الأولى وتشرع في الثانية * وتفني (541) المنوية يكون الصنف الأول. فإذا * أفنت (542) الثانية وتعلقت بالثالثة وسخنت المنوية كان الصنف الثاني. فإذا * أفنت (543) الثالثة وتعلقت بالرابعة كان الصنف الثالث. قالوا: وإنما تأخر فعل الحرارة الغربية وتأثيرها في الرابع لثالثة أوجه: أحدها أن فعل الحرارة في الرطوبة * المحلولة (544) أسهل من فعلها في رطوبة الجسم الحاوي * لتشبيهها (545) به؛ وثانيها أن الطبيعة البدنية تحامي عن الأشرف وتذب عنه وتدفع نكاية المؤذي له؛ وثالثها لو تعلقت الحرارة الغريبة بالمنوية لكانت حمى الدق صنفا واحدا لا ثلاثة أصناف، هذا هو المشهور بين الأطباء في أمر حمى الدق. وفيه نظر وهو أنه إذا كانت حمى الدق حرارة غريبة متعلقة بالأعضاء فيكون تعلقها بالرطوبة القريبة * بالأعضاء (546) . وأيضا لو أفنت الحرارة الغريبة الرطوبة الأولى أولا لفني بفنائها باقي الرطوبات لأنها مدد لها، ويلزم من هذا أن يكون الدق صنفا واحدا لا ثلاثة أصناف. فإذا * أفنت (547) الحرارة الغريبة هذه الرطوبة تعلقت بالردادية ثم بالتي في أطراف العروق الصغار ثم بالمنوية. فإن قيل * لم (548) لا يتعلق بالمنوية * أولا (549) ، فنقول للوجوه الثلاثة التي ذكرناها. فإن قيل إذا كانت الرطوبة الأولى لا تفنى أولا فيجب أن لا تفنى الرطوبة الغريبة العهد بالانعقاد لأنها هي الممدة لها وإذا كان كذلك فكلما فني شيء انجذب عوضه مثله ثم ينجذب عوض ما ذهب من هذه الرطوبة مما في العروق الكبار ثم من الكبد ثم من المعدة ثم من الغذاء، ويلزم من ذلك دوام الحمى المذكورة من غير أن يؤول الحال بها إلى الهلاك، فنقول الجواب عن * هذا (550) : الحرارة عند ما تفني الرطوبة الثالثة تضعف الهضم والشهوة، وعند ذلك يزول عن الدم المتولد PageVW5P142B صلاحيته لتغذية الأعضاء والأخلاف عليها عوض ما يحلل منها فينقص البدل ثم إن الحرارة الغريزية تفني ما عساه أن يصل إلى الأعضاء من ذلك الدم فيؤول الأمر إلى الذبول والاضمحلال. وأيضا فإن * الأعضاء (551) متى * جفت (552) ضعفت جاذبتها للغذاء فيزداد جفافها لذلك ويؤول * أمرها (553) إلى * الهلاك (554) .

البحث السادس:

حمى الدق تارة * تكون (555) ابتداء تارة تكون بواسطة. والكائن ابتداء أكثر وقوعه عن أسباب بادية إذا وافت البدن مستعدا لقبولها مثل * الحركة (556) المفرطة أو قلة ما يرد على البدن من الغذاء أو المدافعة * لاستعماله (557) أو لإفراط في استعمال الأغذية المسخنة أو السهر المفرط أو الفكرة * المستمرة (558) أو الغضب المفرط، كل * هذه (559) إذا * صادفت (560) البدن مستعدا لتأثيرها. والكائن بواسطة إما بواسطة مرض مزمن وإما بواسطة مرض حاد. أما المزمن * فكالحمى (561) البلغمية فإنها لتطاولها تفسد جواهر الأعضاء وجوهر البدل بحيث أنه لم يصلح للتغذية فتنفر منه الأعضاء وتسامه فيزداد احتدادا * واشتغالا (562) * فتقوى (563) الحمى وتوقع في الدق. وأما الحاد فذلك في صور أربع: * أحدها (564) عند إهمال الطبيب جانب القلب في استعمال الضمادات المبردة المسكنة للحرارة الغريبة، * وثانيها (565) منع * المريض (566) من استعمال الماء البارد عند شدة العطش واشتياقه إلى تناوله خوفا من ضعف معدته، * وثالثها (567) اضطراره إلى استعمال ما ينعش القوة ويقويها عند سقوطها ويكون المنعش حارا كالخمر ودواء المسك وماء اللحم، * ورابعها (568) مبالغته في * استعمال (569) تلطيف الغذاء عند ما تكون الحاجة داعية إلى مقابلة، فتشتعل الحرارة وتقوى وتتشبث بالأعضاء.

البحث السابع:

حمى الدق لها علامة عامة لأنواعها الثلاثة، وخاصة بنوع نوع منها، فالعامة اشتعال الحرارة وقوتها بعد أخذ الغذاء في أي وقت كان، وللأطباء في هذا أقوال. قال صاحب الكامل: العلة في ذلك أن الغذاء المستعمل في هذه الحمى مضاد لها * فإذا (570) ورد على بدن من به الحمى المذكورة قاومته الحرارة ونازعته واشتدت بعده كاشتداد حرارة النورة عند صب الماء * البارد (571) عليها، فإنا نرى الحرارة التي فيها تثور وتشتعل ببدنه. * وقال (572) إسحاق ابن * سليمان (573) الإسرائيلي في كتابه في الحميات: وهذا قول ضعيف، فإنه لو كان توزان الحرارة كما قيل لكان ذلك منها عند استعمال الماء البارد أولى منه عند استعمال الغذاء لأن مضادته لحرارة الحمى أبلغ من مضادة الغذاء لها لأنه كيف كان PageVW1P080B مركب وفيه جزء حار والوجود بخلافه. وقال الشيخ الرئيس في الكتاب الرابع من القانون: وحرارة المدقوق تكون متشابهة لكنها إذا ورد عليها الغذاء نمت واشتدت، وهذا كلام مبهم لأنه لم يوضح فيه بأي طريق ينمي الغذاء الحرارة ويقويها. قال ابن رشد في كباته المعنون بالكليات: السبب في ذلك هو أن الأعضاء لما صار بها سوء مزاج * حار (574) وكان المعدي من شأنه أن يتشبه بالمغتذي لزم من ذلك * ضرورة (575) أن يكتسب منه حرارة غريبة سواء كان باردا أو غيره فتعظم الحمى حينئذ وتقوي أعراضها، وليس يلزم مثل هذا PageVW5P143A في حمى العفن فإن الحرارة الغريبة فيها لم تتشبث بالأعضاء الفاعلة في الغذاء. وما يقوله الأطباء في إعطاء سبب هذا العارض * وتشبيههم (576) حال الغذاء في هذه الأبدان بالماء الذي يرش على النورة قولا خطائيا * مثاليا (577) ، وهذا تعليل حسن من هذا الرجل. وأما نحن فكنا * قد (578) ذكرنا في كتابنا المسمى بالشافي وجها قريبا من هذا من غير أن نقف على ما ذكره هذا الرجل وهو أن الغذاء من شأنه أن يقوي القوى والحرارة الغريزية المتعلقة بالأعضاء. ولا شك أن حرارة المدقوق متعلقة بالأعضاء، وقد صارت كأنه أصلية لأنها سوء مزاج مستوي. فإذا ورد الغذاء عليها قواها وأنماها كفعله في الغريزي أولا. وجهال الأطباء عند ما يرون هذا القدر يمنعون العليل من أخذ الغذاء ويكون ذلك سببا لهلاكه وتلافه. فإن قيل هذا القدر على هذا التقدير لا يحصل من الغذاء المستعمل إلا بعد تشبيهه بالأعضاء وهو لا يصير كذلك في أقل من الأربع وعشرين ساعة. ونحن نرى من به العلة المذكورة تشتد حرارته وتقوى بعد أخذ الغذاء بساعة واحدة

L5 فنقول: هذا القدر يحصل من أخذ المعدة نصيبها من الغذاء المستعمل الصائر إليها، فإنه قد علم أن الطبقة الداخلة من المعدة تغتذي بالكيلوس والخارجة بالدم فالقدر الحاصل من الغذاء عند أخذه حاصل على الوجه المذكور ولذلك صارت الحرارة تشتد أولا فأولا بحسب اغتذاء الأعضاء من الغذاء الوارد عليها ثم عند كمال التغذية تسكن الحمى وتهدى. Y فنقول إن ابتداء اشتداد حرارة هذه الحمى من حين يرد الغذاء إلى المعدة، لأنه قد علم أن الطبقة الخارجة من المعدة تغتذي بالدم والداخل تغتذي برطوبة الكيموس على سبيل التلهف لتسكين الألم. والغذاء إذا حصل في المعدة اغتذت منه الطبقة الداخلة على ما ذكرنا اشتدت حينئذ حرارة هذه الحمى وبقيت على حالها. فإذا انحدر الغذاء من المعدة إلى جهة الكبد واغتذت بما يناسبها منه قويت حرارة الحمى أكثر من ذلك. ثم إذا أنفذ الغذاء من الكبد إلى العروق واغتذت بما يناسبها منه قويت حرارة الحمى أكثر من ذلك. ولا يزال الأمر كذلك إلى أن تبلغ الحمى غاية اشتدادها، وذلك عند كمال التغذية ثم تنحط وتسكن إلى حين يؤخذ الغذاء الثاني ثم يعود الأمر كما ذكرنا.

وأما العلامة الخاصة بنوع نوع. أما النوع الأول فصغر النبض مع صلابته وتواتره. أما الصغر فلضعف القوة. وأما الصلابة فللجفاف. وأما التواتر فلشدة الحاجة وضعف القوة، فإن القوى متى كانت ضعيفة والحاجة داعية استعملت الطبيعة التواتر ودسومة البول لشروع الأعضاء في الذوبان. وأما النوع الثاني * فظهور (579) أجزاء صفائحية في البول، وذلك لانحلال الأعضاء وذوبانها، وكذلك الجفاف والقحل * وتنتو (580) عظام الوجه بعض النتو ويقل التواتر في النبض ويظهر التفاوت، وذلك لضعف القوة وتضعف شهوة * الطعام (581) وتكسل العليل عن الحركة، ويظهر غور في العينين ويكثر الرمص عليها. وعلامة النوع الثالث زيتية البول بحيث أنه إذا صب في آناء سمع له صوت كصوت الدهن ويظهر الضعف والصغر في النبض والتفاوت، وكذلك الغور في العينين ويكون * رمصا (582) جافا. وتنحدر الأجفان إلى أسفل من غير PageVW5P143B اختيار العليل كحالها في النعاس، وذلك لضعف القوة المحركة عن تحريك الأجفان إلى فوق وتلطأ الصدغان وتنتو عظام الوجه وتتمدد جلدة الجبهة ويذهب رونق الحياة ويكون على الجلد شيء شبيه بالغبار وتظهر دقة الأنف، وذلك لاستيلاء الجفاف، ويطول الشعر لكثرة الأبخرة ثم يتساقط لقلة المادة، ويظهر القمل للهروب، وذلك لفناء الرطوبة التي تغتذي منها، * ويقحل (583) البطن ويصير كأنه جلد ممتد، وذلك لذهاب الرطوبة، وإذا قبض عليه بالأصابع * ومد (584) إلى خارج امتد وبقي قائما منتصبا لأنه ليس فيه رطوبة تنديه وتبله وتعينه على الرجوع والعود، وتتقوس الأظفار، وذلك لاستيلاء الجفاف. وهذه العلامات متى ظهرت فقد قرب الموت.

البحث الثامن:

السل عبارة عن قرحة الرئة، وذلك إما لمواد حادة تميل إليها فتقرحها وتعفنها، وإما لميل * مادة (585) ذات الجنب إلى جهة الرئة واحتباسها فيها فإنها * تقرحها (586) ، وإما لصربة أو سقطة تحصلان للصدر فيتبثق عرق من * عروقها (587) ، وإما صيحة شديدة تفعل ذلك. ومثل هذه الأسباب توقع أولا في نفث الدم ثم في السل، فإن الدم يعفن في مثل هذا الوقت ثم تعفن * الرئة (588) كما قال أبقراط في هذا الكتاب «إذا انصب * الدم (589) إلى فضاء على خلاف الأمر الطبيعي فلا بد أن * يتقيح (590) (vi.20)» وسنتكلم في شرح هذا. واعلم أن علاج هذه القرحة أصعب من علاج أنواع القروح الحاصلة في الأعضاء الباطنة والظاهرة، وذلك لوجوه عشرة: أحدها بعد * المسافة (591) فإن الدواء المستعمل لمعالجتها يحتاج أن يمر بأعضاء كثيرة كل واحد منها يفعل فيه ويغيره فلا يصل إليها إلا وقوته ضعيفة جدا فلا يفعل فيها الفعل المطلوب. وثانيها دوام حركتها فإن القرحة وبالجملة جميع أنواع التفرق مفتقر في ألحامه إلى السكون. وثالثها سعة عروقها فإن إلحام المجاري الواسعة وسد ما ينفذ فيها أعسر مما إذا كان الأمر بالعكس. ورابعها رقة دمها فإن * إلحام (592) * المجاري (593) مفتقر إلى منع ما عساه أن يسيل منه، والسائل متى كان غليظ القوام كان منعه أسهل مما إذا كان رقيق القوام لأنه يخرج PageVW1P081A من أضيق ما يكون من المنافذ والمخارج. وخامسها إسفنجية جرمها وتخلخله، فإن جرم الشيء متى كان كذلك كان سريع العفن سريع التأكل. وسادسها قرب محلها من أشرف ما في البدن وأرأسه فيتألم * بتألمها (594) ويترتب على * تألمه (595) جميع أعضاء البدن، وعند ذلك تشتغل * الطبيعة (596) العامة بإصلاح ذلك عن تدبير القرحة. وسابعها أن * التحام (597) القرحة * مفتقر (598) إلى تنقية * ما (599) فيها من الرطوبات * الصديدية (600) وتنقية هذه القرحة يتم بأمور أقواها وأبلغها السعال، والسعال حركة والحركة موسعة للجراحة جذابة للمواد إلى جهتها، وذلك مانع من * الالتحام (601) . وثامنها الأدوية المستعملة لإصلاح هذه القرحة، * وذلك (602) لا يخلو إما أن تكون معتدلة أو مائلة إلى * إحدى (603) الكيفيات الأربع، فإن كانت معتدلة عارضها بعد * المسافة (604) وغير ذلك مما ذكرنا. وإن كانت حارة زادت في الحمى اللازمة لهذه PageVW5P144A القرحة. وإن كانت باردة كانت بليدة الحركة وبليدة السير إلى جهة القرحة. وإن كانت رطبة كانت * رهلة (605) القرحة، وذلك مانع من إلحامها فإن كل قرحة مفتقرة في إلحامها إلى التجفيف. وإن كانت يابسة * زادت (606) في تجفيف الحرارة اللازمة للقرحة المذكورة. وتاسعها ضعف الهضم المعدي اللازم لهذا المرض، ويترتب على هذا أمران: أحدهما قلة مقدار الغذاء، وثانيهما فساد هضمه لضعف هاضمة المعدة، ولا شك أن ذلك مضر في المرض المذكور. أما الأول فلأنه قد علم أن المرض الطويل المدة يحتاج في تدبيره إلى تغليظ التدبير لبعد المدة، وذلك إما بكثرة المقدار أو بغلظ قوام الغذاء. وأما الثاني فإن الغذاء متى كانت إحالته كذلك كانت فضلاته كثيرة، ومتى كان كذلك كان المتولد منه والمتبقي منه والسائل منه إلى جهة القرحة أكثر مما إذا كان الأمر بالضد. وعاشرها توهم المريض أن لا يبرأ من المرض المذكور فإنه قد تقرر في العقول أن المرض المذكور من الأمراض * المتعذرة (607) البرء، ولا شك أن الوهم له تأثير عظيم في البدن لا سيما متى كان البدن ضعيفا مستعدا لذلك كبدن المسلول.

Bilinmeyen sayfa