Mütenabbi Divanı Şerhi
شرح ديوان المتنبي
Türler
وإذا تقرر هذا: فليس للنابغة اختيار فيما يأتي به، وليس عليه إلا أن يأخذ ما يؤتاه كما يتهيأ له على طريقته، ومن هنا ترى المتنبي يأتي أحيانا بالتعقيد المستكره واللفظ المتكلف، وتراه يتعسف ويتخبط ويسف، ومع ذلك لا ينفي مثل هذا من شعره ولا يحذفه، وهو قادر على أن يغنى عنه وليس في حاجة إليه، ولكنه بعض طريقته التي انطبع عليها، فلا يستطيع حين يجيئه الرديء أن يجعله جيدا، وليس إلا أن يأخذه كما هو؛ لأنه هو الذي انبثق له عن الجيد، كما تضرم النار من مادة، فإذا هي شعل ودخان، ثم تضرمها من مادة أخرى فإذا هي لهب صاف يتألق؛ ولو أنك أردتها من المادة الأولى كما تجيء من الثانية لأطفأتها وذهب دخانها ونارها معا.
وهذا سر لم يتنبه إليه أحد ممن كتبوا عن المتنبي، فاشدد يدك عليه، وادرس المتنبي على هذه الطريقة، فستجده نابغة في جيده ورديئه، وستجده لا يستطيع غير المستطاع، وستجد طريقته كأنما فرضت عليه فرضا؛ لأنه كذلك ألهم، وعلى ذلك ركب طبعه، وكان ظلامه ظلاما؛ لتسطع فيه النجوم. •••
أما الإفاضة في ترجمة المتنبي ونشأته وأخلاقه وما إلى ذلك، فلا يأتي أحد بجديد ... وقد أصبح المتنبي - دون غيره من شعراء العربية - كأنه في غير حاجة إلى الترجمة؛ إذ هو كالقطعة من تاريخ الأدب، فالكلام عنه متداول مشهور، وهذا بعض ما اختص به؛ فقد تحتاج مع شعر كل شاعر إلى ترجمته، ولكنك لا تحتاج من أبي الطيب إلا إلى شعره، وترى شعره ترجمة روحه، ولذلك اجتزأنا في هذه الكلمة بيان سره الشعري، ثم أنت - بعد ذلك - في حقيقة الرجل؛ أي شعره وشرح شعره الذي نقدمه إليك ... •••
وبعد؛ فأما هذا الشرح فلا يلقين في روعك أنه بدع في الشروح، وأنه شيء مبتكر جديد، وهل غادر الشراح من متردم؟ وإنما كل مزية هذا الشرح أنه تلاقت فيه كل الشروح بعد شيء من التهذيب والتنقيح والتحوير، أو بعد أن خلصت من عكرها خلاص الخمر من نسج الفدام - كما يقول أبو الطيب - وبذلك توافر فيه ما لم يتوافر لأي شرح من شروح المتنبي على حدته، فليس يغني عنه شرح، ولكنه هو - بحمد الله - يغني عن سائر الشروح؛ فهو كما يقول أبو الطيب:
يدل بمعنى واحد كل فاخر
وقد جمع الرحمن فيه المعانيا
عبد الرحمن البرقوقي
12 جمادى الأولى 1349ه
5 أكتوبر سنة 1930م
هوامش
Bilinmeyen sayfa