279

Şerhu Akîdetü’t-Tahâviyye

شرح العقيدة الطحاوية

Soruşturmacı

أحمد شاكر

Yayıncı

وزارة الشؤون الإسلامية

Baskı

الأولى

Yayın Yılı

١٤١٨ هـ

Yayın Yeri

والأوقاف والدعوة والإرشاد

وهذا هو الحق، فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْنَا الْإِيمَانُ بِالْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ، وَلَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نَعْتَقِدَ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَفْضَلُ، فَإِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مِنَ الْوَاجِبَاتِ لَبُيِّنَ لَنَا نَصًّا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ (١)، ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ (٢).
وَفِي الصَّحِيحِ: «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ - رَحْمَةً بِكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ - فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهَا». فَالسُّكُوتُ عَنِ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَوْلَى.
وَلَا يُقَالُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ نَظِيرُ غَيْرِهَا مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ هُنَا مُتَكَافِئَةٌ، عَلَى مَا أُشِيرُ إِلَيْهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَحَمَلَنِي عَلَى بَسْطِ الْكَلَامِ هُنَا: أَنَّ بَعْضَ الْجَاهِلِينَ يُسِيئُونَ الْأَدَبَ بِقَوْلِهِمْ: كَانَ الْمَلَكُ خَادِمًا لِلنَّبِيِّ ﷺ! أَوْ: إِنَّ بَعْضَ الْمَلَائِكَةِ خُدَّامُ بَنِي آدَمَ!! يَعْنُونَ الْمَلَائِكَةَ الْمُوَكَّلِينَ بِالْبَشَرِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُخَالِفَةِ لِلشَّرْعِ، الْمُجَانِبَةِ لِلْأَدَبِ، وَالتَّفْضِيلُ إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّنَقُّصِ أَوِ الْحَمِيَّةِ وَالْعَصَبِيَّةِ لِلْجِنْسِ -: لَا شَكَّ فِي رَدِّهِ، وَلَيْسَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرَ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنْ تِلْكَ قَدْ وُجِدَ فِيهَا نَصٌّ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (٣)، الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ﴾ (٤). وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الشَّيْخِ: "وَسَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ"، يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ.
وَالْمُعْتَبَرُ رُجْحَانُ الدَّلِيلِ، وَلَا يُهْجَرُ الْقَوْلُ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَافَقَ عَلَيْهِ، بَعْدَ أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ مُخْتَلَفًا فِيهَا بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَقَدْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ ﵁ يَقُولُ أَوَّلًا بِتَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْبَشَرِ، ثُمَّ قَالَ بِعَكْسِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّوَقُّفِ أَحَدُ أَقْوَالِهِ. وَالْأَدِلَّةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْفَضْلِ، لَا عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ، وَلَا نِزَاعَ فِي ذَلِكَ.
وَلِلشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ الْفَزَارِيِّ ﵀ مُصَنَّفٌ سَمَّاهُ"الْإِشَارَةَ فِي الْبِشَارَةِ"فِي تَفْضِيلِ الْبَشَرِ عَلَى الْمَلَكِ، قَالَ فِي آخِرِهِ: اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ المسألة من بدع علم الكلام، التي

(١) سورة المائدة آية ٣.
(٢) سورة مريم آية ٦٤.
(٣) سورة البقرة آية ٢٥٣.
(٤) سورة الإسراء آية ٥٥.

1 / 282