[شرح ديكنقوز]
خطبة الكتاب:
﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا﴾ "قرآن كريم"
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا نحو رضائك؛ وصل على من أوتي جوامع الكلم من بين أنبيائك؛ وعلى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من آله وأصحابه وأزواجه وأحبائه؛ وعلى المقتفين بهم في مصادرهم ومواردهم؛ ربنا لا تؤاخذنا بالفرطات الماضية، وسدد أمورنا في الحال والاستقبال، واحفظنا من الاعتلال والاختلال في الأقوال والأفعال، وارزقنا صحيحات النيات في أبواب الخيرات.
قال المصنف رحمه الله تعالى عملا بالحديث المشهور والخبر المأثور واقتداء بالكتاب الكريم "بسم الله الرحمن الرحيم" وتخصيص كتابه بأول القرينين، بل ذكره من باب الاكتفاء كقوله تعالى في النحل: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ أي والبرد ولما وقع التصنيف في العلم الإسلامي أغنى عن كتب الصلاة على النبي ﵊؛ لأن المقصود به التنبيه على أن المصنف من المسلمين؛ إذ الظاهر أن لا يصنف أحد إلا فيما ينتمي إليه من الدين، وأما كون المصنف من المصنفات الإسلامية فيعلم من خصوص العلم الذي فيه التصنيف، ثم أظهر عبوديته واحتياجه في بدأ أمره فقال "قال" العبد "المفتقر" أي ذو الاحتياج الكثير واختار هذا اللفظ تبركا بما ورد في كلام الله تعالى حيث قال: ﴿وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ﴾ تيمنا بما
_________
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
"بسم الله الرحمن الرحيم" نحمدك يا من بيده الخير والجود، وبقدرته تصرف كل موجود وخص الإنسان منه بخاصة أمر السجود فمن أطاعه فصحيح سالم مسعود، ومن عصاه فمعتل ناقص مردود، فسمعا وطاعة لا إله إلا الله المعبود ونصلي على رسولك محمد خاتم الأنبياء ومبلغ مبلغ الأنبياء، وعلى آله وأصحابه الأتقياء الكرام البررة الأصفياء ما نسخت الشمس باجر الظلماء وفجر عيون الأرض.
"وبعد" لما رأيت المختصر في الصرف الذي صنفه الفاضل المحقق والعالم المدقق علامة الورى شمس الملة والدين أحمد بن علي بن مسعود جعلهم الله قرينا لنبيه في مقام محمود مع صغر حجمه ووجازة نظمه مشتملا على غرر الفرائد ودرر الفوائد، محتويا على دقائق الأسرار العربية ونكات العلوم الأدبية ولم يقع له شرح يكشف القناع عن مخدراته ويزيل الأستار عن مستراته، فلم يبرزهن شارح إلى هذا الآن لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، بل هم يحومون حول مطالبيه ولم يبينوا شيئا منها لطالبيه، ولم يهتدوا إلى موارده سبيلا وإلى مشارع مآربه دليلا، فأردت أن أشرحه شرحا يزيل صعابه ويخرج من قشره لبابه فابتدأت بنبذة منه وعرضتها إلى محط رحال الأفاضل ومحظ رجال الفضائل، حضرة مولاي الهمام ملجأ كافة الأنام ممهد قواعد المنقول والمعقول مشيد أركان الفروع والأصول مبين الأحكام الدينية مزين الشرائع النبوة، أسوة العلماء المتقدمين قدوة الفضلاء المتأخرين برهان الحق والدين، ينبوع الفضل واليقين أستاذي المحقق والحبر المدقق لا زالت رياض العلوم بلطائف بيانه زاهرة وحيض الحكم بعواطف تبيانه باهرة، فلحظ إليها بعين القبول مشيرا إلى بإتمام هذا المسئول فرفرف على جناح الأشبال بإرشاد الحق عند السؤال عن غوامض لا يظرفها البال، فجد جدى في فتق مبانيه وجهد جهدي في حل حلو معانيه حتى ظفرت إلى محض اللباب من مستودعات الفصول والأبواب، ولم أقتصر على تحقيق ما في الكتاب، بل أضفت إليه فوائد لطيفة من هذا الباب وقواعد شريفة لا يستغني عنها شيخ ولا شاب مما فزته من نكت مؤلفات المتقدمين ونخب مصنفات المتأخرين، فافتلذت الأسى من عيونها واختسلت النفائس من كنوز متونها ومما استخرجته بفكري الفاتر ونظري القاصر بعون الله القادر واقتصدت بين طرفي الإطناب والاقتصار والإيجاز المخل والإكثار إلا أن عوائق الزمان وربائث الحدثان عاقتني عن تنقيحه وثبطتي عن ترشيحه فتركته بعره وطويته على غره مع أني بالنقصان لمعترف وللخطايا لمقترف، فكل ما وقع فيه سهو فمن اخترامي، وإذا اتفق مني شيء فمن رمية من غير رامي على أن من شأن نوع الإنسان السهو والخلل والنسيان، ولهذا قال ابن عباس: أول ناس أول الناس فالمرجو من أكابر الفضلاء وأماثل العلماء أن يصلحوا ما عثروا عليه من زلتي، ولم يعتبوني على فرط خطيئتي ومزلتي؛ وسميته بـ"الفلاح في شرح المراح" وأسأل الله تعالى أن يهديني إلى سبيل الرشاد ويوفقني لما يرتضيه من مسلك السداد، إنه ولي الإجابة والتوفيق وبتحقيق الأمنية حقيق وهو حسبي ونعم المعين "قال المفتقر" ترك المصنف دأب سائر المصنفين من افتتاح كتابهم بالحمد لله اقتداء بسيد المرسلين ﵇ في إظهار عجزه في مقام الحمد حيث قال
1 / 2