قال أرسطاطاليس : « الكلي » ونظن أنا لم نبينه ، أو لم نبينه ونظن أنا قد بيناه . فإنه قد يعرض لنا أن ننخدع عندما نبين أمرا كليا للأشياء التي هي جزئية ووحيدة ، التي لا يوجد شيء أعلى يعمها ، ونظن أنا لم نبين الكلي . وقد يعرض لنا أن ننخدع عندما نبين أمرا ما لأشياء كثيرة مختلفة الأنواع ، ونتظنن أنا قد بينا الكلي ، ونحن لم نبينه ، من قيل أنا لم نعرف الشيء العام لها الذي هذا المعنى كلي له . » التفسير يقول : وقد ينبغي ألا نغلط ويلحقنا الجهل المتضاد بالشيء الواحد بعينه ، وذلك عندما نبين شيئا موجودا لشيء على طريق الكل ، ونحن نظن أنه ليس على طريق الكل ، أو عكس هذا . وهو أن نبين أن شيئا موجود لشيء وهو ليس على طريق المساق الكلي الذي رسمناه ، ونحن نظن أنه عليه . وقوله : « فإنه قد يعرض لنا. . » إلى قوله : ونظن أنا لم نبين < الكلي > » يريد : فإنه قد يعرض لنا أن نغلط عندما نبين شيئا للأشياء المحسوسة الجزئية التي لا يوجد منها إلا شخص واحد ، فنظن أنه لم نبين ذلك الشيء البيان الذي على طريق الكلي ، وهذه هي الأشخاص التي ليس يوجد لها نوع يحمل عليها ، وهو الذي أراد بقوله : « التي لا يوجد شيء أعلى يعمها » - أعني أنه ليس يوجد لها طبيعة تعمها ، إذ كان ليس يوجد لها أكثر من شخص واحد . وهذا هو مثل الشمس ، والقمر ، والأرض وغير ذلك من الأشخاص التي ليس يوجد منها إلا شخص واحد فقط . وقوله : « ونظن أنا لم نبين الكلي » - يريد أن البرهان الذي يقوم على أمثال هذه الأشخاص هو كلي ، ولكن قد نغلط نحن فنظن أنا لم نبين الكلي . وسبب هذا الغلط أنه يشبه عندنا هذا البيان البيان الذي يقوم على شخص من الأشخاص التي يوجد منها أكثر من شخص واحد ، وهي التي توجد لها طبيعة تعمها . ولما ذكر موضع هذا الغلط الذي يعرض لنا إذا بينا الكلي ونظن أنا لم نبينه لنتحفظ منه - أخذ يذكر مواضع الغلط التي هي أضداد هذا ، وهو أن نكون لم نبين الكلي ونحن نظن أنا قد بيناه ، فقال : « قد يعرض لنا أن ننخدع عندما . . » إلى آخر ما كتبناه - يريد : وقد يعرض لنا عندما نبين أمرا ما لأشياء كثيرة ، أي مختلفة الطبائع ، وفي صنائع شتى : مثل أن نبين المساواة للأعظام والعدد والأزمنة ، فإنه إذا بينا المساواة للأعظام في علم الهندسة مثلا ، ظننا أنا قد بينا الكلي ، أي البيان الذي يكون على طريق الكلي ، ونحن لم نبينه . وكذلك يظن العددي إذا بين ذلك للأعداد . وليس الأمر [ ٢٩ أ] على ما يظن واحد منهما من ذلك ، من قبل أن وجود المساواة للأعظام ليس لها بما هي ، إذ كانت المساواة توجد للأعداد والأزمنة والحركات ، ولا هي أيضا موجودة كواحد من هذه على طريق الكلي . وقوله : « من قبل أنا لم نعرف الشيء العام لها الذي هذا المعنى كلي له » يريد : وإنما كان الأمر كذلك في أمثال هذه المطالب من قبل أنه لم يكن البيان لهذه الأشياء من قبل طبيعة عامة مشتركة لها ، مثل أن نبين وجود المساواة لطبيعة هنا مشتركة للأعداد والأعظام والأزمنة والحركة ، إذ كنا لا نعرف لهذه الأشياء طبيعة بهذه الصفة ، يريد أنه ليس لها طبيعة مشتركة مقولة بتواطؤ ،لا أن هناك طبيعة وليس يعرفها لأنه لو كان هنالك طبيعة مشتركة لكانت المساواة وما أشبهها من أمثال هذه المطالب تختص بصناعة عامة للصناعة الناظرة في الأعظام والعدد والأزمة والحركات . وسيفحص هو بعد عن هذا ، ونبين نحن ذلك ، وذلك أن فيها حيرة وعويصا شديدا . قال أرسطاطاليس : البرهان الذي يكون بمثل هذا الأوسط قد يكون على الكل . لكن البيان الذي من قبل هذا هو أولا على طريق الكلية . وأشير بقولي هذا إلى الشيء الذي قد تبين به وهو في الشيء الذي له الكلية أولا بمنزلة أن يبين الإنسان أن الخطوط المستقيمة لا تلتقي بوسط هو كون زاويتين عن جنبي الخط الواقع عليهما ، فيظن أن هذا كلي بسبب أنه على الكل . وليس الأمر على هذا ، لأن البرهان لم يكن من أجل ذلك ، بسبب أنه على الكل ، وإنما كان بسبب مساواة الزاويتين لقائمتين . » التفسير قوله : وقد يعرض أيضا أن ننخدع من قبل انطواء الكلي في أثناء الأوسط » يريد : وقد يعرض أيضا لنا أن نغلط فنظن - أن الوسط للذي بينا به الشيء في البرهان هو محمول كلي ، أي جمع الشروط الثلاثة ، أعني أن يكون على الكل ، وبالذات ، وأولا - ويكون ليس بأول وإنما يظن به أنه كلي وليس بكلي من قبل انطواء الوسط الكلي فيه ، أعني لزومه عنه ووجوده فيه بالقوة ، أو من قبل انطوائه في الوسط الكلي ، مثل انطواء النوع في الجنس : يحتمل التأويلين جميعا . وقوله : فإن البرهان الذي يكون بمثل هذا الوسط تكون النتيجة فيه كلية ، أي يكون فيها محمول المطلوب أولا لموضوعه ، بخلاف الغلط العارض [ ٢٩ ب ] في الموضع المتقدم فإنه هنالك لا المبين هو أولا ، ولا الحد الأوسط . وإنما الذي ليس ها هنا أولا هو البيان ، أي البرهان ، من قبل أن حمل الحد الأوسط فيه على الأصغر ليس أولا ، ولا حمل الأكبر عليه . وقوله : « وأشير بقولي هذا إلى الشيء الذي قد تبين به ، وهو في الشيء الذي له الكلية » - يريد : وأقصد بقولي هذا إلى الحد الأوسط الذي يبين الشيء وهو داخل تحت الحد الأوسط الكلي ، أعني الذي هو محمول على الشيء من طريق ما هو أولا . ثم قال : « بمنزلة من بين أن الخطوط المستقيمة لا تلتقي بوسط هو كون زاويتين عن جنبي الخط الواقع عليهما » - يريد : بمنزلة من بين أن الخطوط المتوازية لا تلتقى بوسط هو كون الزاويتين الحادثتين عن الخط الواقع عليها وعن كل واحد من الخطين ، الداخلتين اللتين في جهة واحدة كل واحدة منهما قائمة . ثم قال : « فيتظنن أن هذا كلي بسبب أنه على الكل » - يريد : فيظن أن هذا الحد الأوسط محمول على الخطوط المتوازية أولا من قبل أنه محمول صادق على كل الخطوط المتوازية ، وذلك أن كل الخطوط المتوازية إذا وقع عليها خط يمكن أن تكون الزاويتان الداخلتان الحادثتان عن وقوعه عليها كل واحدة منهما قائمة . لكن ليس هذا هو سبب التوازي ، وإنما سبب ذلك كون جميعها مساوية لقائمتين ، سواء كانت كل واحدة منهما قائمة ، أو كانت إحداهما أكبر من قائمة ، والأخرى أصغر من قائمة ، بعد أن يكون مجموعهما قائمتين . وهذا هو الذي أراد بقوله : « وإنما كان بسبب مساواة الزاويتين لقائمتين » وإنما يظهر من هذا أن المتوازية لا تلتقي من قبل أنه إن التقت يكون مثلث زواياه الثلاث أكبر من قائمتين . وإنما هذا مثال . ولم يرد أرسطو أن عدم الالتقاء للمتوازية مجهول بالطبع ، وأن هذا الوسط معلوم بالطبع ، فإنه يشبه أن يكون كون الخطوط المتوازية لا تلتقي أعرف من كون الزاويتين الحادثتين عن وقوع خط عليها مساوية بمجموعهما لقائمتين . ولمكان هذا تأول عليه ثامسطيوس أنه أراد بهذا النحو من الغلط مثل من بين أن الخطوط التي يقع عليها خط فيصير الزاويتين الداخلتين كل واحدة منهما قائمة أن الخطوط متوازية . فإن هذا المطلوب ليس أولا للخطوط التي بهذه الصفة ، وإنما هو أول للخطوط التي يصير الخط الواقع عليهما الزاويتين الداخلتين بمجموعهما مساوية لقائمتين ، سواء كانت كل واحدة منهما قائمة أو لم تكن ، فإن المهندسين جرت عادتهم أن يثبتوا التوازي لهذه الخطوط بأوساط يذكرونها في كتبهم . لكن إن حمل التأويل على هذا ، لم يكن هذا الغلط عارضا في حمل الحد الأوسط ، وإنما يكون عارضا في المطلوب ، مثل من بين [ ٣٠ أ] مساواة الزوايا لقائمتين في المثلث المتساوي الساقين . وهو قد نص أن هذا الغلط هو في الحد الأوسط . وقد بين أيضا أن الحمل في المطالب غير الأول هو مثل حمل الزوايا المساوية لقائمتين على المثلث المتساوي الساقين . فيبعد أن يكون يقصد إلى أن يذكر أنواعا خفية من الغلط تعرض في هذا الحمل ، ويضع أحدها النوع الذي به يفهم الحمل المضاد لهذا الحمل ، لأن من شان من يعرف شيئا ما ثم يتحفظ من أغاليط تقع في ذلك الشيء أن تكون تلك المواضع أخفى من ذلك الشيء الذي فهم منه ذلك المعني . وهذا الموضع هو أن يكون للشيء فصل واحد ينقسم إلى فصلين فيبين بأحد الفصلين وجود خاصة من خواص له ، لا بالفصل نفسه العام لهما . وذلك أن بيانه بالحد الأوسط الأول إنما هو بالفصل نفسه ، مثل من ترك أن يبين أن الإنسان مفكر ، من قيل أنه ناطق ، وبين أنه مفكر من قبل أنه ذو نطق علمي ، أو بين في الحيوان أنه مدرك من قبل أنه لامس ، لا من قبل أنه حساس . قال أرسطاطاليس : « ولو لم يكن مثلث إلا المثلث المتساوي الساقين ، لقد كان البرهان يقوم عليه من حيث هو متساوي الساقين . وقد كان يمكن أن يبين ببيان واحد أن كل الأعداد والخطوط والمجسمات إذا كانت متناسبة فهي بالتبديل متناسبة ، كما قد سبق من البيان في كل واحد منها على الانفراد . لكن لما لم يكن للأعداد والأبعاد والزمان شيء واحد يعمها ، وكانت أنواعها مختلفة - برهن كل واحد منها على انفراد . فظن حينئذ بأن البيان كلي ، وليس كذلك ، لأنه ليس لها بما هي خطوط وبما هي أعداد وإنما تكون كذلك لو كان الأمر العام لها معروفا بنفسه . » التفسير لما أخبر أن الموضع الذي نص فيه أنا لم نبين الكلي ، ونحن قد بيناه ، هو البيان على الشيء الذي ليس يوجد منه إلا شخص واحد - يريد أن يبين أن البرهان على أمثال هذه الشخوص ليس يقوم على الشخص ، وإنما على الطبيعة الموجودة في ذلك الشخص التي لو وجد من ذلك الموجود أكثر من شخص واحد لكانت تلك الطبيعة عامة لها وسارية فيها ، على جهة ما توجد الكليات في الأشخاص . ولذلك قيل في حد الكلي إنه الذي من شأنه أن يحمل على أكثر من واحد في طبيعته ، ولم يقل فيه إنه الذي يحمل بالفعل على أكثر من شخص واحد . فقوله : « ولو لم يكن مثلث إلا المتساوي الساقين ، لقد كان البرهان يقوم عليه من حيث هو متساوي الساقين » - يريد : وكما أنه لو لم يوجد من [ ٣٠ ب ] المثلثات المتساوية الساقين إلا مثلث واحد فقط يمكن أن يبرهن عليه أن زاويتيه اللتين على القاعدة متساويتان ، أو ما أشبه ذلك من خواصه ، وأن يكون البرهان يقوم عليه من حيث هو متساوي الساقين - كذلك الأمر في الأشياء التي ليس يوجد منها ألا شخص واحد ، ليس يمتنع أن يقوم البرهان عليها بما هو ذلك الشيء . مثال ذلك أن الشمس يقوم البرهان عليها أنها كذا وكذا جزءا من الأرض ، كما كان يقوم على الإنسان البرهان بأنه ناطق ، ولو لم يوجد منه إلا شخص واحد . ولذلك من أحس بشخص واحد من النوع فقط ، أمكن أن يقوم البرهان له عليه ، مثلما عرض لي في الزرافة فإني [لما] أحسست منها شخصا واحدا فقط ، وذلك عند سفري إلى البلاد الجنوبية . ولما بين أن البرهان الذي يكون على الأشياء التي لها شخص واحد برهان كلي ، وكان ذلك الظن الذي يقع فيه هو غلط ، أخذ يذكر أيضا السبب الذي من قبله لم يمكن البيان على الأشياء المختلفة أن يكون بيانا كليا ، وهي الأشياء التي يظن بها أن البيان عليها كلي ، مثل بيان المساواة للأعظام والأعداد والحركات والأزمة ، وكذلك التناسب ، فقال : « وقد كان يمكن أن يبين بيان واحد أن كل الأعداد والخطوط والمجسمات إذا كانت متناسبة فإنها إذا بدلت متناسبة ، كما قد سبق من البيان في كل واحد منها على الانفراد » - يريد : وقد كان يمكن أن نبين المناسبة والتبديل وغير ذلك من نظائر هذه المطلوبات لجميع الأشياء التي تبين لنا بيانا جزئيا : بيانا على طريق الكل أي أولا وبذاته ، كما كان يمكن أن يبين أمثال هذه المطالب لكل واحد منها على الانفراد إذا حققت هذه المطالب ، أي إذا بينت من الطبيعة المنسوبة إليها لو كان يوجد لهذه طبيعة واحدة مشتركة يقوم عليها البرهان بما هي طبيعة كذا . ثم قال : « لكن لما لم يكن للأعداد والأبعاد والزمان شيء واحد يعمها ، وكانت أنواعها مختلفة ، وبرهن كل واحد منها على انفراد ، فظن حينئذ بأن البيان كلي وليس كذلك » - يريد : لما لم يكن لهذه الطبائع المختلفة طبيعة واحدة عامة مشتركة وكانت مختلفة ، وبرهنت أمثال هذه المطالب لكل واحد منها على انفراد ، ظن أن البيان على كل واحد منها كلي وليس كذلك ، لأنه ليس المناسبة ولا المساواة محمولة على الخطوط بما هي خطوط ، ولا على الأعداد بما هي أعداد ، ولا على الأزمنة بما هي أزمنة . وفي أمثال هذه المقدمات مسألة عويص سنذكرها بعد . ويريد بقوله : « وإنما كان يكون ذلك كذلك ، لو كان الأمر العام لها معروفا » - أي موجودا ، لا أن هنالك أمرا عاما . [ ٣١ أ] قال أرسطاطاليس : « ولا أيضا إن بين إنسان في كل واحد من المثلثات على انفراده : أعني المتساوي الأضلاع ، والمتساوي الساقين ، وغير المتساوي الساقين زواياه الثلاث تعدل قائمتين ، يكون قد بين الكلي لأنه ليس يعلم أمر المثلث أن هذه حاله ، اللهم إلا إن يكون يعلمه على النحو السفسطائي . وعلى هذه الجهة لم يبين أن هذا المعنى بكل مثلث ، وأنه ولا مثلث من المثلثات خارج عن هذا المعنى ، من قبل أنا لم نعلم أن هذا للمثلث بما هو مثلث ، ولا أيضا لم يبق مثلث من المثلثات إلا وهذه ، صفته ، فإنما علم بطريق الاستقراء . فأما أن هذا للمثلث بما هو مثلث ، أو لم يبق مثلث من المثلثات إلا وهو بهذه الحال ، فلم يعلم . » التفسير لما بين أولا أن الحمل الأول هو المحمول الخاص الذي يحمل على الشيء من طريق ما هو ذلك الشيء ، لا من طريق طبيعة أخرى موجودة في ذلك الشيء ، وبين أوجه الغلط العارض في ذلك ، عاد إلى بيان النقصان الداخل على البيان الذي يكون للشيء لا على طريق الكل فقال : « ولا أيضا إن بين إنسان . . » إلى قوله : « قد بين الكلي » - يريد : وكما إن بين إنسان أن الأعداد المتناسبة إذا بدلت تكون متناسبة ، لم يبين الكل ، كذلك أيضا إن بين إنسان في كل واحد من أنواع المثلثات على انفراده ، أعني المتساوي الأضلاع ، والمتساوي الساقين ، والمختلف الأضلاع أن زواياه مساوية لقائمتين - يكون قد بين ذلك بيانا كليا ، أعني أولا وبالذات . ولما أخبر أن المبين هذا المعنى لواحد واحد من أنواع المثلثات على انفراده ليس مبينا ذلك على طريق البيان الكلي ، أتى بالدليل على ذلك فقال : « لأنه ليس يعلم أمر المثلث أن هذه حاله اللهم إلا أن يكون يعلمه على النحو السفسطائي » - يريد : وإنما لم يكن هذا البيان على طريق البيان الكلى الذي يعرف وجود الشيء للشىء الذي في طباعه وجوهره أن يوجد لذلك الشيء ، من قبل أن الذي عرف على حدة - أن زوايا المثلث المتساوي الساقين مساوية لقائمتين ، وعرف أيضا أن زوايا المختلف الأضلاع مساوية لقائمتين ، وعرف أيضا أن المتساوي الأضلاع بهذه الصفة - لم يعرف بالذات أن هذه الصفة ، أعني كون الزوايا مساوية لقائمتين هي موجودة بالطبع وأولا للمثلث ، لأنه لم يتبرهن ذلك عنده للمثلث بما هو مثلث ، ولا بوسط للمثلث بما هو مثلث ، فهو إن عرف هذا المعنى للمثلث من قبل معرفته لأنواع المثلث فإنما يعرفه للمثلث بالعرض ، وهو الذي أراد بقوله : « إلا أن يكون يعلمه على النحو السفسطائي » - ويشير أن ما بالعرض متجنب في البراهين . فإذن الذي لم يعرف الشي على طريق الكلي لم يعرفه [ ٣١ ب ] بالبرهان . ولما ذكر هذا النحو من نقصان المعرفة التي تلحق للبيان الذي ليس على الكل ، أخذ يذكر نحوا آخر أيضا من النقصان يلحقه ، فقال : « وعلى هذه الجهة لم يتبين بأن هذا المعنى لكل مثلث ، وأنه ولا - مثلث من المثلثات خارج عن هذا المعنى . .» إلى قوله : « إلا وهذه صفته » - يريد : والمستعمل لهذا النحو من البيان كما أنه لم يعرف من قيل هذا البيان ، أعني البيان الذي هو حد لواحد واحد من المثلثات فوجود هذا المعنى للمثلث إلا بالعرض ، كذلك لا يعرف أن هذا المعنى موجود لكل مثلث ، وأنه لم يبق مثلث من المثلثات إلا زواياه معادلة لقائمتين ، من قبل أنه لم يعلم أن هذا المعنى موجود للمثلث بما هو مثلث ، وهو العلم الذي من قبله يحصل أن كل مثلث بالذات بهذه الصفة . وإنما يكون عنده علم بهذا المعنى إن كان بطريق الاستقراء . وطريق الاستقراء غير مفيد بالذات للمحمول الذاتي الطبيعي الأول ، وهو الذي أراد بقوله : « فإنما علم بطريق الاستقراء » - فكأنه قال : وإنما قلنا إن الذي علم أن المثلث المتساوي الساقين مساوية زواياه لقائمتين ، وأن المختلف والمتساوي كذلك ، أنه لم يعلم وجود هذا المعنى لكل مثلث ، من قبل أن الذي يعرف هذا المعنى للمثلثات على هذا النحو من المعرفة فإنما يعرفه لكل مثلث بأن يستقرئ العلم الحاصل له من ذلك في جميع المثلثات . فإذا استقرئ ذلك في جميعها ، صح له من مجموع البراهين والاستقراء أن كل مثلث بهذه الصفة ، فلا يحصل ذلك عن البرهان ألا بالعرض ، بل لا يحصل له الكلية الطبيعية ، فإن الاستقراء ليس يفيد الحمل الذاتي إلا بالعرض ، على ما بيناه في كتاب « القياس » . ولذلك ما قال : « فأما أن هذا للمثلث بما هو مثلث ، وأنه لم يبق مثلث من المثلثات إلا وهو بهذه الحال فلم يعلمه » - وهذا النقص في المعرفة الذي ذكره في المحمول الذي يحمل على جنس الموضوع هو بعينه يلزم في المحمول الذي لا يحمل على جنس الموضوع ، إلا أنه أعم من الموضوع . وذلك أن من عرف المحمول لهذا الموضوع فلم يعرفه بالطبيعة التي يوجد لها هذا المحمول أولا وبالذات ، إلا أن عرف ذلك بالعرض . ولذلك ليس ينبغي أن تدخل في محمولات البراهين ما كان أعم من الموضوع ، وسواء كان ذلك المحمول يحمل على جنس ذلك الموضوع ، أو لا يحمل ، أعني حملا كليا . وإنما كان ذلك كذلك ، لأن « ما بالعرض » يقابل « ما بالذات » . فإن كانت البراهين إنما تكون من الحمل الذاتي ، وكانت الأقاويل السفسطائية إنما تكون من الحمل العرضي ، فواجب أن يكون البرهان لا يشوبه شيء مما بالعرض أصلا ، لا قريب ولا بعيد . وإذا كان هذا هكذا ، فكيف يقول أبو نصر في كتابه أن المحمولات البرهانية منها [ ٣٢ أ] ما هو خاص ، ومنها ما هو أول غير خاص ، ومنها ما هو لا أول ولا خاص . ولم عدل - ليت شعري ! - في كتابه عن طريقة أرسطو في اشتراط الحمل الكلي في البراهين ، أعني الذي يجمع الشروط الثلاثة المتقدمة ? ! فإن في ذلك موضع نظر وفحص عويص . وذلك أن هذا الشرط الذي اشترطه أرسطو ، أعني من أن يكون الحمل على الكل أن لم يكن عاما لجميع البراهين ، وإنما كان للبراهين التي في الغاية من التمام ، فقد نقصه أن يبين الحمل المشترك لجميع البراهين . وإن كان هذا الشرط عاما لجميع أنواع البراهين ، فقد أخطأ أبو نصر في إفصاحه أن محمولات البراهين منها خاص ، ومنها غير خاص ، ومنها أول ومنها غير أول . وإن كان هذا الشرط الذي اشترطه أرسطو إنما هو على جهة الأفضل ، لا شرطا ضروريا ،فقد كان يجب على أبي نصر أن يزيد هذا المعنى ، أعني أن يقول إن الشروط التي تشترط في الحمل البرهاني منها ما هي شروط ضرورية لا يخلو منها برهان أصلا ، ومنها شروط يكون البرهان بها أفضل ، ويعدد في الشروط التي بها البرهان أفضل : الحمل الكلي الذي ذكره أرسطو ، ويعدد في الشروط الضرورية أعني التي لا يكون برهان إلا بها - الشرطين الأولين فقط من الشروط التي يتضمنها الحمل الكلي ، أعني أن يكون المحمول على كل الموضوع وفي كل الزمان وأن يكون ذاتيا أولا . وإن كان الأمر هكذا ، فتمام القول في شرائط البرهان إنما هو أن تجمع الطريقتين ، أعني طريقة أرسطو ، وطريقة أبي نصر ، وتعرف أن هذه الطريقة هي من جهة الأفضل ، وأن تلك من جهة الضرورة . وأما أبو بكر بن الصائغ فإنه يقول في جواب هذا إن قصد أرسطو غير قصد أبي نصر . وذلك أن أرسطو لما كان قصده بالبراهين أن تكون حدودا بالقوة ، اشترط فيها هذا الشرط . وأبو نصر لما نظر في البرهان من حيث هو برهان وبإطلاق ، خالف شروط أرسطو . وهذا كأنه راجع إلى ما قلناه ، لأن البراهين التي هي حدود بالقوة هي ، لاشك ، أتم . فكان أرسطو - على مذهب أبي يكر بن الصائغ - أتى بالشروط التي يكون بها البرهان أفضل وأتم ، وسكت عن الضرورية . وأبو نصر بالعكس عرف الشروط الضرورية ، وسكت عن التي يكون بها البرهان أفضل . وعلى هذا فمد يلزم أن يكون كلا التعليمين ناقصا ، وأن يكون المفسرون - على كثرتهم وجلالهم - قد أغفلوا هذا المعنى . وأما أنا فاعتقدت زمانا طويلا أن الصواب هو الجمع بين التعليمين . ثم إني لما تبينت غرض البرهان بما هو برهان وفحصت عن ذلك ، تبين لي أن الصواب والحق هو الذي فعل أرسطو ، وأن الذي فعل أبو نصر خطأ . وذلك أنه إن كان البرهان [ ٣٢ ب ] بما هو برهان ليس يكفي أن تكون مقدماته صادقة فقط ، على ما نجدهم قد اجمعوا عليه ، بل وأن تكون - ذاتية ، وأن السبب في ذلك هو أن الصادقة الغير ذاتية هي صادقة بالعرض ، وأن ما بالعرض وإن كان صادقا فليس يصير منه الإنسان إلى معرفة طبيعة الشيء إلا بالعرض ، والغرض من البرهان في الأشياء الموجودة إنما هو أن يعلم الشيء العلم المطابق لعمل الطبيعة إياه ، كما أن البرهان في الصنائع هو العلم الذي يكون مطابقا لعمل الصناعة ، وإذا كان هذا هكذا - فمتى شاب البرهن شيء مما بالعرض - لمم يكن العلم بالشيء من قبله مطابقا لعمل الطبيعة ، ولا علم على ما هو عليه . وذلك هو حد اليقين . وبين أن بالذات الذي ليس بأول أنه يشوبه ما بالعرض . فإذن البراهين التي تكون مقدماتها محمولة حملا ذاتيا غير أول ليس العلم الحاصل عنها مطابقا للعمل ، لا في الأمور الصناعية ولا في الطبيعية . فإذن ليس ببرهان أصلا . لكن إن التزمنا أن البراهين إنما تكون مقدماتها محمولة حملا بهذا المعنى ، فقد يخرج من ذلك الجنس ، يعني أن يبين لشيء ما وجود جنسه . وذلك أن حمل الجنس على النوع ليس بأول على هذا المعنى . وإذا كان ذلك كذلك ، فكيف - ليت شعري ! - يقول هذا ثامسطيوس ! ! فإنا نجده يسلم أن الجنس داخل في هذا الحمل ، أعني حمل الجنس على النوع ، مع تسليمه أن المحمول الأول هو الذي حددناه - وذلك تناقض وأحسب أن هذا هو الذي دعا أبا نصر أن رسم المحمول الأول بخلاف رسم أرسطو ، أعني أنه الذي لا يحمل على جنس موضوعه ، وقال لمكان هذا في الجنس إنه محمول أول . والحق أن الجنس ليس بمحمول أول ، لأنه ليس يحمل على نوع من أنواعه بما هو ذلك النوع ، إذ كان الجنس يحمل على أكثر من نوع واحد . فإذن يجب أن يكون الجنس إنما يحمل حملا أولا على الطبيعة المساوية له . وتلك الطبيعة هي موضوع الصورة التي هي الجنس ، فإنه لا فرق في ذلك بين الجنس وغيره من المحمولات التي ليست خاصة بالموضوع ، ولأنه كما أن من عرف أن المثلث المتساوي الساقين مساوية زواياه لقائمتين لم يعرف ذلك للمثلث إلا بالعرض ، وهو الذي يحمل عليه هذا الوصف بما هو كذلك ومن عرف حمل الجنس على النوع لم يعرف الطبيعة التي الجنس محمول عليها بما هي تلك الطبيعة إلا بالعرض . وإذا كان الأمر في هذا واحدا ، فينبغي أن نطرح في البراهين حمل الجنس على النوع ، كما نطرح حمل خاصة الجنس على أنواع الجنس ، فإن قيل : فما هي الطبيعة الموضوعة لجنس الشيء ? قلنا : هيولاه الخاصة بالجنس . وذلك أن كل جنس فلا بد له من هيولى . مثال ذلك أن اللحم ، أو ما يقوم مقامه ، هي هيولي الحياة . [٣٣ أ] ويحتمل أن يدخل الجنس في المحمولات الأول إذا خصص ولم يطلق ، وذلك أن الإنسان - بما هو إنسان - حيوان هذا ، لا حيوانا مطلقا . قال أرسطاطاليس : « وقد ينبغي لنا أن نعلم متى يقع لنا العلم بأن المحمول ليس بكلي للموضوع ، ومتى يقع لنا العلم بأن المحمول كلي للموضوع - فنقول : إن المحمول يكون كليا للموضوع متى كان معنى المثلث والوجود له ، ومعنى المتساوي الأضلاع ، ومعنى واحد واحد من المثلثات - معنى واحدا : فأما إن لم يكن معنا هما معنى واحدا ، لكن معنى كل واحد منها غير معنى الآخر ، فإنا لا نعلم لأيهما هو كلي ، لكن نقول على الكل . » التفسير لما عرف أن الحمل الذي يشترط في هذا الكتاب هو الحمل الذي نسميه ها هنا : « الحمل الكلي » ، وهو الذي يجمع أن يكون كليا وذاتيا وأولا ، وعرف المواضع التي تغلطنا في ذلك - يريد أن يعرفنا - زائدا إلى ما بين من أمره - قانونا وسبارا به نعرف أن المحمول كلي ، إذا التبس علينا الأمر . فقوله : « وقد ينبغي أن نعلم متى يقع لنا العلم بأن المحمول ليس بكلي للموضوع ومتى يقع لنا العلم بأن المحمول كلي للموضوع » - يريد : وقد ينبغي أن يكون لنا قانون به نعلم أن المحمول . كلي ، أو ليس بكلي ، وذلك في المواضع التي يخفى فيها هذا المعنى . ولما عرف أنه ينبغي أن يكون عندنا قانون به يعرف أن المحمول كلي أو ليس بكلي ، وذلك في المواضع التي نجهل فيها هذا المعنى - أخذ يعرف المواضع التي لا يجهل فيها هذا المعنى من التي يمكن أن تجهل فيها ، فقال : « فنقول أن المحمول يكون كليا . . . » إلى قوله : « من المثلثات معنى واحدا » وكانت الألفاظ مترادفة والمعنى فيها واحد ، فإن المحمول هو كلي لذلك الموضوع ، مثل الحال فيه إذا كان محمولا على موضوعه باللفظ والمعنى . مثال ذلك أنه إن كان معنى المثلث ومعنى ما يوصف به المثلث : من تساوي الساقين أو اختلافهما - معنى واحدا في جميعها ، أعني كونه مثلثا وكونه متساوي الساقين ، ثم حملنا على المثلث المتساوي الساقين محمولا خاصا به ، مثل أن زواياه مساوية لقائمتين ، فإن هذا المحمول يعرف من أمره أنه كلي للمثلث . ولما عرف الموضع الذي يعلم أن المحمول كلي للموضوع فيه ، وهو أن يكون الموضوع واحدا باللفظ والمعنى ، أو واحدا بالمعنى كثيرا باللفظ - أخذ يعرف الموضع الذي يجهل ذلك فيه فقال : « فأما إن لم يكن معناهما معنى واحدا ، لكن معنى كل واحد منهما غير معنى الآخر ، فإنا لا نعلم لأيهما هو كلي ، لكن نقول على الكل » - يريد : فأما إن لم يكن الموضوع بسيطا وواحدا ، لكن [ ٣٣ ب ] مركبا من أكثر من معنى واحد ، وحملنا عليه محمولا خاصا به ضروريا ، فإنا لا نعرف لأي معنى من تلك المعاني هو كلي ، أي موجود له أولا وبالذات ، مثل أن نخبر أن المثلث المتساوي الساقين زواياه مساوية لقائمتين ، وكان ما يدل عليه المثلث غير ما يدل عليه المتساوي الساقين ، فإن مساواة الزوايا لقائمتين قد نجهل في هذه المقدمة لأي هذين المعنيين هو محمول حملا أولا . فهو يروم أن يعطى في أمثال هذه المواضع قانونا به تستنبط الصفة التي من قبلها كان الحمل أولا ، وذلك إذا كان الموضوع مركبا فيه من أكثر من معنى واحد إذا كانت تلك الألفاظ تدل على معنى واحد ، مثل أن يدل بلفظ المثلث ولفظ المتساوي الساقين في قولنا : المثلث زواياه مساوية لقائمتين - على معنى واحد مثل المختلف الأضلاع والمتساوي الساقين إذا قسنا بها المثلث . وهذا هو الذي أراد بقوله : ومعنى واحد واحد من المثلثات معنى واحدا أي يكون معنى المختلف الأضلاع ومعنى المتساوي الساقين ومعنى المثلث معنى واحدا . وقوله : لكن معنى كل واحد منهما غير معنى الآخر فإنا لا نعلم لأيهما هو كلي لكن نقول على الكل » - يريد : كما كان معنى المثلث غير معنى المتساوي الساقين ، فإنا قد نجهل لأيهما هو المحمول كلي إذا حملنا على المثل المتساوي الساقين محمولا . قال أرسطاطاليس : « لكنا نبحث ونقول : أترى هذا المعنى لأي شيء هو كلي : للمثلث بما هو مثلث ، أو بما هو متساوي الساقين ؟ وبالجملة ، متى يعلم الشيء الذي هو أول له ، والذي يقوم البرهان على أنه كلي له ؟ فنقول : إن الشيء الذي إذا ارتفعت سائر الأشياء وبقى ، بقى المحمول ببقائه ، وإذا ارتفع أرتفع لذلك ، يكون كليا ، يمنزلة المثلث المتساوي الساقين المعمول من نحاس ، المحكوم عليه بأن زواياه الثلاث مساوية لقائمتين فإنه أن رفعت منه أنه نحاس وأنه متساوي الساقين فإن المحمول يبقى ببقاء المثلث . إلا أنك متى رفعت منه أنه شكل وأنه ذو نهاية ، [74 b]* لم يبق المحمول ، غير أن ارتفاعه ليس هو من ارتفاع هذين فيحصل كليا له . فإذا كان هذا المعنى إنها هو كلي للمثلث ، فبتوسطه يوجد البرهان في المثلث ، والبرهان على طريق الكلي إنما هو له . » التفسير يقول : لكن إن كان معنى المثلث غير معني المتساوي [ ٣٤ أ] الساقين ، وحملنا عليهما محمولا خاصا ، فقد يعرض لنا أن نجهل لأيهما هو هذا المحمول محمول أول . فنبحث ونقول : أترى هذا المحمول هو أول للمثلث بما هو مثلث ، أو بما هو متساوي الساقين ؟ وبالجملة ، فنحتاج في هذا الموضع أن نعرف الشىء الذي له هذا المحمول أولا ، والذي يقوم البرهان على أنه أولي : هل هو المثلث ، أو المتساوي الساقين ؟ ولما عرف أن في أمثال هذه المواضع نحتاج أن يكون عندنا قانون وطريق به نعرف الشيء الذي حمل عليه المحمول حملا أولا ، وكان الطلب كليا - قال : « فنقول إن الشيء ، الذي إذا ارتفعت سائر الأشياء وبقى ، بقى المحمول ببقائه ، وإذا ارتفع ، ارتفع لذلك ، يكون كليا » - يريد : والصفة التي من قبلها كان حمل المحمول على الموضوع محمولا حملا أولا ، تعرف من بين سائر الصفات الموجودة في الموضوع بأنها الصفة التي إذا ارتفعت سائر الصفات ، أي توهمت مرتفعة وتوهمت هي باقية ، يعنى المحمول ، وإذا ارتفعت هي وبقيت سائر الصفات ارتفع المحمول ، فإنه لهذه الصفة التي في الموضوع يكون المحمول أولا . فقوله : « أن الشيء الذي إذا ارتفعت سائر الأشياء وبقى ، بقى المحمول ببقائه » - يعنى بالشيء : الصفة التي يوجد لها المحمول أولا ، ويعنى بسائر الأشياء : الصفات التي لا يوجد لها أولا ، وهي التي إذا ارتفعت وبقيت تلك الصفة ، لم يرتفع المحمول . فهنا إذن شرطان : أحدهما : أن تكون تلك الصفة هي التي إذا أنزلت موجودة وسائر الصفات مرتفعة ، وجد المحمول ، والتي إذا ارتفعت وبقيت سائر الصفات ، ارتفع المحمول . ثم أتى بمثال هذا القول فقال : « بمنزلة المثلث المتساوي الساقين المعمول من نحاس ، المحكوم عليه بأن زواياه الثلاث تعادل قائمتين » - يريد : إن هذا المثلث يوجد فيه ثلاث صفات : أنه مثلث ، وأنه متساوي الساقين ، وأنه من نحاس ، ويصدق على جميعها أن زواياه الثلاث مساوية لقائمتين ، وذلك أن من الصادق أن كل مثلث متساوي الساقين معمول من نحاس فزواياه الثلاث مساوية لقائمتين . ثم قال : « فإنك إذا رفعت منه أنه نحاس ، وأنه متساوي الساقين ، فإن المحمول يبقى ببقاء المثلث » - يريد : فإنك إذا رفعت من هذا الموضوع المركب من هذه الثلاث صفات : أنه نحاس ، وأنه متساوي الساقين ، ويبقى أنه مثلث يعنى أن زواياه مساوية لقائمتين ، أي يبقى هذا المحمول صادقا على الموضوع ، كما كان قبل أن ترتفع منه الصفتان . ثم قال : « إلا أنك متى رفعت منه أنه شكل ، وأنه ذو نهاية ، لم يبق المحمول . غير أن ارتفاعه ليس هو من ارتفاع هذين فيحصل كليا لهما » - هذا كأنه دفع لما عسى أن يعترض به معترض هذا القول . وذلك أنه لما [ ٣٤ ب ] وضع أن هذه الصفة هي التي إذا وجدت وارتفعت سائر الصفات ، وجد المحمول ، وإذا ارتفعت ، ارتفع المحمول كان لقائل أن يقول إنه إذا رفعنا من هذا المثلث الذي الكلام فيه أنه شكل وأنه ذو نهاية ، أي سطح ، فقد يرتفع المحمول وهو كون الزوايا مساوية لقائمتين . فقال إن الجواب عن ذلك أن ارتفاع المحمول عن ارتفاع أمثال هذه الصفات هو من قبل ارتفاع الصفة التي لها وجد المحمول عن ارتفاع هذه الصفات ، لا من قبل ارتفاع هذه . وذلك أنه إذا ارتفع أنه شكل ، ارتفع أنه مثلث . وإذا ارتفع أنه مثلث ، ارتفعت مساواة الزوايا لقائمتين . فإذن ارتفاع هذا المحمول عن ارتفاع السطح والنهاية ليس هو أولا ، وإنما هو من قبل ارتفاع المثلث الذي يرتفع المحمول بارتفاعه أولا . فلذلك لا بد أن يزاد في هذا الشرط بأن يقال : إنه إذا ارتفع ، وبقيت سائر الصفات ، ارتفع المحمول ، والذي إذا وجد وارتفعت سائر الصفات ، بقى المحمول . - فقوله : « غير أن ارتفاعه ليس هو من ارتفاع هذين » - يعنى أنه ليس ارتفاعه من قبل ارتفاع هذين أولا وبالذات ، بل من قبل ارتفاع المثلث بارتفاعهما ، لا من قبل ارتفاعهما فقط . فيكون هذا المحمول كليا للسطح والنهاية ، على ما شرطنا من وصف الشيء الذي يوجد له الحمل كليا . وقوله : « فإذا كان هذا المعنى إنما هو كلي فبتوسطه يوجد البرهان في المثلثات » - يريد : وإذا كان حمل الزوايا المساوية لقائمتين هو كلي للمثلث بما هو مثلث ، فبتوسط برهان هذا للمثلث يتبرهن هذا لجميع أنواع المثلثات . وقوله : « والبرهان على طريق الكلي إنما هو له » - يعنى : للمثلث . وأبو نصر قال في هذا الموضع الذي أعطاه في استنباط المحمول الأول : إنه موضع مقنع وليس ببرهاني ، وذلك في كتابه « في التحليل » . وذلك أنه زعم أن هذا الموضع يبطل بالأشياء التي لها أكثر من خاصة واحدة . وذلك أنه إذا ارتفعت إحدى الخاصتين ، ارتفعت الخاصة الأخرى ، وإذا وجدت ، وجدت - مثل العلم والضحك للإنسان . فإذا إذا ارتفع أنه ضحاك ، ارتفع أنه قابل للعلم . وإذا وجد أنه ضحاك ، وجد أنه قابل للعلم . وليس حمل الضحاك على القابل للعلم حملا أولا ،إذ كان حملا بالعرض . وإنما غلط أبا نصر أنه ظن بأرسطو في هذا الموضع أنه استعمل موضع الوجود والارتفاع المطلق . وليس الأمر كذلك ، وإنما استعمله أرسطو بتقييد ، وذلك أنه قال أن المعنى الذي يوجد له الحمل الكلي من جميع المعاني الموجودة في الموضوع هو المعنى الذي إذا وجد وارتفعت سائر المعاني التي في الموضوع ، بقى المحمول موجودا له . وإذا [ ٣٥ أ] ارتفع وبقيت سائر المعاني الموجودة في الموضوع ، ارتفع المحمول . وإذا اشترط في الارتفاع والوجود هذان الشرطان ، كان الموضوع برهانيا ولا بد . وذلك أنه ليس يجب إذا ارتفع الضحاك ووجدت سائر المعاني في الإنسان - أن يرتفع القبول للعلم . وذلك أنه إذا وجد النطق ، وجد القبول للعلم . وكذلك ليس يلزم إذا وجد الضحاك وارتفعت سائر المعاني الموجودة للإنسان ، أن يوجد القبول للعلم . ولذلك إذا استعمل هذا الموضع بهذين الشرطين ، كان برهانيا - وهو الذي ذهب على أبي نصر من غرض أرسطو .
٦ - < مقدمات البرهان ذاتية وضرورية >
Sayfa 253