وأما قوله: " لا ضرر ولا ضرار " فقال بعضهم هما: لفظان بمعنى واحد تكلم بهما جميعا على وجه التأكيد، وقال أبي حبيب : الضرر عند أهل العربية الإسم والضرار الفعل فمعنى " لا ضرر " أي لا يدخل أحد على أحد ضررا لم يدخله على نفسه. ومعنى لا ضرار لا يضار أحد بأحد، وقال المحسني: الضرر هو الذي لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة وهذا وجه حسن المعنى، وقال بعضهم الضرر والضرار مثل القتل والقتال فالضرر أن تضر من لا يضرك والضرار أن تضر من أضر بك من غير جهة الاعتداء بالمثل والانتصار بالحق وهذا نحو قوله صلى الله عليه وسلم: " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " . وهذا معناه عند بعض العلماء لا تخن من خانك بعد أن انتصرت منه في خيانته لك كأن النهي إنما وقع على الابتداء وأما من عاقب بمثل ما عوقب به وأخذ حقه فليس بخائن وإنما الخائن من أخذ ما ليس له أو أكثر مما له. واختلف الفقهاء في الذي يجحد حقا عليه ثم يظفر المجحود بمال للجاحد قد ائتمنه عليه أو نحو ذلك فقال بعضهم: ليس له أن يأخذ حقه من ذلك لظاهر قوله أد الأمانة ولا تخن من خانك، وقال آخرون: له أن ينتصر منه ويأخذ من تحت يده واحتجبوا بحديث عائشة في قصة هند مع أبي سفيان وللفقهاء في هذه المسألة وجوه واعتلالات ليس هذا موضع ذكرها. والذي يصح في النظر أنه ليس لأحد أن يضر بأخيه سواء ضره أم لا إلا أن له أن ينتصر ويعاقب إن قدر بما أبيح له بالحق وليس ذلك ظلما ولا ضررا. إذا كان على الوجه الذي أباحته السنة.
وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله أسند الدارقطني هذا الحديث من وجوه مجموعها يقوي الحديث ويحسنه وقد نقله جماهير أهل العلم واحتجوا به فعن أبي داود قال: الفقه يدور على خمس أحاديث وعد هذا الحديث منها. قال الشيخ فعد أبي داود له من الخمسة وقوله فيه يشعر بكونه عنده غير ضعيف، وقال فيه هو على مثال ضرار وقتال وهو على ألسنة الكثير من الفقهاء والمحدثين لا ضرر ولا إضرار بهمزة مكسورة قبل الضاد ولا صحة لذلك.
البينة على المدعي واليمين على من أنكر
33 - " عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر " حديث حسن رواه البيهقي وغيره هكذا، وبعضه في الصحيحين " .
......................................................
الذي في الصحيحين من هذا الحديث قال ابن أبي مليكة كتب ابن عباس رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه " وفي رواية: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه " . قال صاحب الأربعين: روى هذا الحديث البخاري ومسلم في صحيحيهما مرفوعا من رواية ابن عباس وهكذا رواه أصحاب كتب السنن وغيرهم وقال الأصيلي: لا يصح رفعه إنما هو من قول ابن عباس، قال المصنف إذا صح رفعه بشهادة الإمامين فلا يضر من وقفه ولا يكون ذلك تعارضا ولا اضطرابا.
وهذا الحديث أصل من أصول الأحكام وأعظم مرجع عند التنازع والخصام ويقتضي أن لا يحكم لأحد بدعواه.
قوله: " لادعى قوم أموال قوم ودماءهم " واستدل به بعض الناس على إبطال قول مالك في سماع قول القتيل فلان قتلني أو دمي عند فلان. لأنه إذا لم يسمع قول المريض: له عند فلان دينار أو درهم فلا يسمع دمي عند فلان بطريق الأولى، ولا حجة لهم على مالك في ذلك لأنه لم يسند القصاص أو الدية إلى قول المدعي بل إلى القسامة على القتل لكنه يجعل قول القتيل دمي عند فلان لوثا يقوي بينه المدعين حتى يبرؤوا بالإيمان كسائر أنواع اللوث.
قوله: " ولكن اليمين على المدعى عليه " أجمع العلماء على استحلاف المدعى عليه في الأموال واختلفوا في غير ذلك فذهب بعضهم إلى وجوبها على كل مدعى عليه في حق أو طلاق أو نكاح أو عتق أخذا بظاهر عموم الحديث فإن نكل حلف المدعي وثبتت دعواه. وقال أبو حنيفة رحمه الله يحلف على الطلاق والنكاح والعتق وإن نكل لزمه ذلك كله، قال ولا يستحلف في الحدود.
النهي عن المنكر من الإيمان
34 - " عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم " .
Sayfa 28