قوله: " فرض " أي أوجب وألزم. وقوله: " فلا تنتهكوها " أي فلا تدخلوا فيها وأما النهي عن البحث عما سكت الله عنه فهو موافق لقوله صلى الله عليه وسلم: " ذروني ما تركتكم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم " قال بعض العلماء: كانت بنو اسرائيل يسألون فيجابون ويعطون ماطلبوا حتى كان ذلك فتنة لهم وأدى ذلك إلى هلاكهم.
وكان الصحابة رضي الله عنهم قد فهموا ذلك وكفوا عن السؤال إلا فيما لا بد منه وكان يعجبهم أن يجيء الأعراب يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمعون ويعون.
وقد بالغ قوم حتى قالوا لا يجوز السؤال في النوازل للعلماء حتى تقع، وقد كان السلف يقولون في مثلها دعوها حتى تنزل إلا أن العلماء لما خافوا ذهاب العلم أصلوا وفرعوا ومهدوا وسطروا.
واختلف العلماء في الأشياء قبل ورود الشرع بحكمها هل هي خطر أو الإباحة أو الوقوف؟ على ثلاثة مذاهب وذلك مذكور في كتب الأصول.
الزهد الحقيقي
31 - " عن أبي العباس - سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته أجبني الله وأحبني الناس، فقال: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس " حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة " .
......................................................
اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حث على التقلل من الدنيا والزهد فيها وقال: " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " وقال: " حب الدنيا رأس كل خطيئة " . وفي حديث آخر: " إن الزاهد في الدنيا يريح قلبه في الدنيا والآخرة والراغب في الدنيا يتعب قلبه في الدنيا والآخرة " .
واعلم أن من في الدنيا ضيف وما في يده عارية وأن الضيف مرتحل والعارية مردودة " الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر " وهي مبغضة لأولياء الله محببة لأهلها فمن شاركهم في محبوبهم أبغضوه.
وقد أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم السائل إلى تركها بالزهد فيها ووعده على ذلك حب الله تعالى وهو رضاء عنه فإن حب الله تعالى لعباده رضاه عنهم، وأرشده إلى الزهد فيما في أيدي الناس إن أراد محبة الناس له والمال حب الدنيا فإنه ليس في أيدي الناس شيء يتباغضون عليه ويتنافسون فيه إلا الدنيا.
وقال صلى الله عليه وسلم: " من كانت الآخرة همه جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه شتت الله شمله وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له والسعيد من اختار باقية يدوم نعيمها على بالية لا ينفذ عذابها " .
لا ضرر ولا ضرار
32 - " عن أبي سعيد - سعد بن سنان - الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا ضرر ولا ضرار " حديث حسن رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسندا، ورواه مالك في الموطأ مرسلا عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأسقط أبا سعيد، وله طرق يقوي بعضها بعض " .
......................................................
اعلم أن من أضر بأخيه فقد ظلمه والظلم حرام كما تقدم في حديث أبي ذر " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا " وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام " .
Sayfa 27