============================================================
شرح الأنفاس الروحانية ينظر أولياء الله تعالى إلى عالم الحقيقة، أو لا ينظر، ولكن الهمة مبشرة لأولياثه تعالى كالوحي مبشرة لأنبياته من غير نظرهم.
وقال أيضا: لامن له همة فيصبر، ومن له منية فيعمى" يعني إرادة الله تعالى وحبك إياه يجعلك بالمعارف، والمنية إرادة الدنيا ولذاتها تعميك، قال النبي : لالاحيك للشيء يعمى ويصم"(1) يعني حبك للدنيا يعمي ويصم عن الحق تعالى وعن الآخرة، وحيك للآخرة يعمى ويضم عن الله تعالى وعن الدنيا، وحبك لله تعالى يعمى ويصم عن الدنيا والآخرة.
وقال ذو النون رحمه الله: "صاحب الهمة وإن كان أعمى فهو مسلم، وصاحب الارادة، وإن كان صحيخا فهو متافق" يعني آن صاحب الهمة يرى الله وحده ولا يميل إلى غيره، فكيفما كان، كان مسلتما مؤمنا، وصاحب الإرادة مريد الدنيا والآخرة، وكان منافقا "يظهر إرادة الله تعالى" بالاسلام، والايمان، كالمنافق يدعى الإسلام ظاهرا ويريد غير الإسلام باطنا.
وقال أبو يزيد: "كفر أهل اللهمة أسلم، ومن إسلام أهل المنية" يريد به أن أهل الهمة لما كان يحب الله تعالى ويريده وحده، فهمته لا تتركه في الكفر، وكفره يكون ضعيفا كضعف إيمان المنافق، وأما إسلام أهل المنية كان لدنياه، وكذا إرادته وحبه الدنيا، وذلك كفر ونفاق، وكما قال ذو النون: "صاحب الإرادة وإن كان صحيثا، فهو منافق" يعني هو منافق وان كان مسلتا، كذا قول أبي يزيد.
قال سهل بن عبد الله: "اهمة زائدة فإذاتم فقد بلغ إلى الله تعالى".
قال محمد بن حامد الخراساني: "اهمة لم يجدها أحد بتمامها إلا أهل المحبة" وهذا صحيح؛ لأن المحبة إرادة كما عرفت من قبل، والهمة إرادة على ما بينا، وإذا كان كذلك لا تكون الهمة إلى الله تعالى، إلا وهي محبة لله تعالى، أو محبة الله تعالى تلازمها، فكل من كان أكمل محبة لله تعالى كان أكمل همة لله تعالى.
والأصح عندي: إن الهمة عينها وذاتها محبة غالبة مجاوزة إلى فوق الشوق، والاشتياق حدة، وسرعة، وقوة على شأنها لكنها غير محرقة بالتهابها، واحتراقها، ولا يسمى همة إلا إذا كان متعلقها أموزرا عظاما، بخلاف المحبة المطلقة والشوق، والاشتياق فإنها مؤذية محرقة على ما عرفت من قبل في باب المحبة، فافهم.
(1) رواه أحمد في المسند (194/5)، وأبو داود (434/4).
Sayfa 285