مسألة قبول توبة القاتل
قوله: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا﴾ [النساء:٩٣]: المراد مسلمًا، سواء كان فاسقًا أو برًا صادقًا، وليس الوعيد فقط خاصًا بمن قتل من يكون من أهل الإيمان المحقق، فإن الإيمان هنا يراد به أصل الإيمان وليس الإيمان المطلق.
من قتل مؤمنًا متعمدًا هل له توبة أو ليس له توبة؟
الجمهور من السلف والخلف على أن له توبة.
وصح عن ابن عباس -فيما رواه مسلم وغيره من رواية سعيد بن جبير - أن القاتل عمدًا ليس له توبة، وهذا المذهب لا شك أنه ليس بصحيح، وإن قاله ابن عباس ﵄، فإن القرآن والسنة متواتران على أن كل أحد له توبة حتى المشرك، وابن عباس يقول بهذا، فإذا كان المشرك له توبة، فمن باب أولى أن القاتل عمدًا يكون له توبة.
فإن قيل: إن القاتل عمدًا تعلق به حق آدمي.
قيل: فيلزم على هذا أن كل من تعلق به حق آدمي لا توبة له، وهذا لا يقول به ابن عباس؛ فهذا مذهب ضعيف لا شك في ضعفه.
لكن ما معنى قول ابن عباس؟
حَكى ابن حزم أن ابن عباس يذهب إلى أن القاتل عمدًا يعذب، وهذا ليس بصحيح، ولم يقله ابن عباس، وابن عباس أفقه من هذا، إنما ابن عباس يقول: (لا توبة له)، وليس معناها أنه يعذب؛ بل المعنى أنه يوافي ربه بالذنب، وإذا وافى ربه بالذنب صار عند ابن عباس وغيره تحت قوله تعالى: ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء:٤٨].
إذًا: فرقٌ بين أن يقال: إن ابن عباس يقول: (لا توبة له) وبين أن يقال: إن ابن عباس يقول: إنه يعذب ويدخل النار.
وأشد من ذلك غلطًا: قول من قال: إن ابن عباس يقول: إنه مخلد في النار.
إذًا: هناك غلطان في الكتب المتأخرة على ابن عباس:
من يقول: إنه يعذب بقدر ذنبه، ثم يخرج من النار.
فهذا ابن عباس لا يجزم به.
وأشد منه غلطًا من يقول: إن ابن عباس يقول: إنه يخلد في النار.
فهذا لا يمكن أن يذهب إليه ابن عباس، وهو الذي ناظر الخوارج في مسألة الكبيرة.
إنما المنضبط عن ابن عباس أنه يقول: (لا توبة له)، أي: أنه يوافي ربه بالذنب.
وقد جاءت رواية أخرى عن ابن عباس تدل على رجوعه.
هل رجع ابن عباس أو لم يرجع؟
هذه مسألة مختلف فيها، والأظهر: أنه لم يرجع عن قوله ﵀ ورضي عنه؛ ولكن هذا قول قاله باجتهاد وقد خالف النصوص، فلا إشكال في ترك قوله.
8 / 11